أحمد الدرينى يكتب | الطريق إلى إسلام يكن
ربما كان أكثر ما هال الرأي العام المصري في قضية الشاب إسلام يكن، هو ماضيه، الذي لم يكن يفضي بحال من الأحوال لمستقبله الحالي، كقاطع رقاب وقاتل في تنظيم داعش.
كان إسلام طالبا بمدرسة ليسيه الحرية بمصر الجديدة، ثم خريجا بكلية الحقوق، وفجأة أصبح عضوا في داعش، ينشر صوره مدججا بالأسلحة، ويتباهي بقتلاه وضحاياه.
إحدى صور إسلام شاهرا سيفه، وممتطيا صهوة جواد، بدت سينمائية، مقتطفة من مسلسل تاريخي، أو من فيلم أمريكي تنميطي يعالج صورة الإرهابي العربي.
ومنشأ الصدمة، بخلاف التناقض بين صوره غضا مبتسما في براءة وبين صوره قاتلا أشعث الهيئة أغبرها، هو الفكرة المسبقة التي رسختها معالجة قضية الإرهاب، من أن الفقراء المحبطين فقط هم الذين يلتحقون بالجماعات الإرهابية.
وهي صورة رسختها الدراما السطحية، وتواطأت على تأكيدها تفسيرات اجتماعية ونفسية قاصرة، إلى حد بعيد.
أو على الأقل هي تفسيرات لا تستوعب أن بريطانيين وأستراليين يتركون أوروبا، ويهرعون إلى داعش بمنتهى الحماس، ويبثون فيديوهات باللغة الإنجليزية تدعو الشباب الأوروبي المحبط للتعافي والتشافي النفسي عن طريق “الجهاد”!
إسلام يكن جزء من ظاهرة عالمية، وموجة جديدة من التعبير عن الإحباط بين الشباب الأكثر تعليما والأكثر تعلقا بالحضارة الغربية، سواء من الأجانب أو العرب، تنعكس معهم الأمور تماما فيتجهون لأقصى النقيض.
تابعت قبل سنوات، مجيء مواطنين ألمان من أصول ألمانية قحة، أسلموا، ثم جاءوا لمصر ومزقوا جوازات سفرهم وقالوا إنها : أوراقُ باطلة.. تربطهم بأنظمة حكم كافرة!
فما كان من الأجهزة الأمنية إلا أن اعتقلتهم إلى أن تدخلت السفارة الألمانية التي لم تستوعب الأمر في بدايته.
وقد جاءوا لمصر مثلما ذهب غيرهم إلى المغرب وليبيا وغيرها من البلدان العربية الإسلامية.. ليطاردوا صورة سينمائية في أذهانهم عن العالم الأول، في الصحراء حيث لا حياة معقدة ولا ضغوط ، وحيث بيئة شبيهة بالبيئة التي ظهر فيها الإسلام.
يقال إن منشأ هذا، هو الهروب من إحباطات الحياة على النمط الأوروبي.
صور إسلام، وهو في أحد المولات أو وهو يحاول التواصل مع فتيات روسيات، وفقا لتقرير المصري اليوم، وقبل ذلك دراسته بمدرسة الليسيه، ربما لا تجعل هناك فارقا يذكر بينه وبين البريطاني الذي التحق بداعش ثم سمى نفسه “أبوالبراء الهندي”.
وفقا للدكتور إسماعيل المقدم، الذي ينسب له إنشاء الدعوة السلفية بالإسكندرية، فإن “الالتزام” أو الانخراط في تنظيم ديني، يجيء عادة تاليا على إحباط ما في حياة الإنسان.
الرغبة في الانخراط في جماعة دينية تتمايز بملابس بعينها، ومظاهرها وممارساتها وربما في “طريقة كلامها”، لا يبدو قرارا يمكن أن يتخذه الإنسان وهو في كامل قواه العقلية أو وهو خاضع لنوازعه الإنسانية في حالتها الطبيعية المعيارية.
وأراجع حديثا بيني وبين كادر سلفي شاب، اختار أن ينضم لجماعة سلفيي كوستا، وهو يحكي لي عن صديقه الذي حصد شهادات جامعية من جامعات عالمية ويتحدث لغتين أجنبيتين، ويعيش حياة مترفة، ويعمل في مؤسسة عالمية، وينشر صورا لنفسه على فيس بوك بجوار الجمال والنوق وهو يرتدي جلبابا أبيض! في حين لا ينشر صوره في عواصم العالم التي يرتادها، لأنه ينتمي نفسيا للأولى لا الثانية.
وأتذكر زميلا صحفيا يعمل بمؤسسة بريطانية كبرى كان كثيرا ما يردد بأنها يعمل هناك لكي يكون في قلب عاصمة الإنجليز حين ينصر الله الجماعات الإسلامية المسلحة بامتداد العالم ليكون هو الذي يبث خبر إقامة دولة الإسلام وينال هذا الشرف لا غيره!
لا يبدو أن الأمر يتربط شرطيا بالإحباطات الاجتماعية أو الاقتصادية، بمقدار ما يبدو أن حقائق جديدة استحدثت نفسها على أرض الواقع، مفادها أن الجيل الجديد من الإرهابيين أفضل تعليما ويتحدر من بيئات أكثر ثراء وثقافة، لعوامل، يحتاج فض اشتباكها لأكثر من مقال.
الوباء يتسلل إلينا..فربما أنت، أيها القارئ المتعلم الذي تقرأ هذا المقال، وقد تضعه على حسابك الشخصي على تويتر أو فيس بوك، قد تنتمي إلى تنظيم كهذا يوما ما!.
المصدر:المصرى اليوم