أحمد الدرينى يكتب | كيف عبثت الداخلية والصحافة بجثة الخانكة؟
ما هو الفارق المادي أو الأخلاقي بين تمثيل داعش بجثامين ضحاياها وبين ما جرى من أمناء الشرطة الثلاثة في مشرحة الخانكة؟
القاسم المشترك بين الطرفين هو “الاستباحة”، واعتبار أن هناك من هم “مسموحٌ” ضربهم أحياء حتى الموت، ثم العبث بجثامينهم أمواتا.
داعش تحتقر الآخرين لأنهم بنظرهم “كفرة”..ومن ثم استباحت قطع الرقاب والتمثيل بالجثث، وجرها في الطرقات واللعب بها على رؤوس الأشهاد.
وأمناء الشرطة في فيديو الخانكة كذلك..احتقروا الجثمان الثاوي بين أيديهم بوصفه جثمان “مجرم”..وكأن الاستباحة واحدة لكن أسبابها ومسمياتها مختلفة من “كافر” لـ”مجرم”.
غير أن المفزع في فيديو الجثة التي يعبث بها أمناء الشرطة، هو مقدار التصالح مع الذات فيما كانوا يفعلونه.
حين نفكر في الموت نصاب بالفزع نوعا ما، وأظن أن معظمنا يتهيب فكرة “لمس” جثمان ميت..مجرد “لمس”.
أما الذين يعبثون بجثمان ويتلاعبون به كما لو كان دمية، فإن خللا نفسيا عميقا قد اجتاحهم، لدرجة محاولة وضع سيجارة في فم الجثة!
(2)
“من جانبه، أكد اللواء محمود يسرى، مدير الأمن، أن ما عرض فى الفيديو هو شىء لا نقبله، مشيرا إلى أن «الداخلية» لن تقبل بالخروج على الدين الإسلامى أو الشرعية القانونية، وأضاف يسرى أن القانون سيتم تطبيقه على المخطئ، علاوة على التحقيق الذى ستجريه المديرية برئاسة مفتش الداخلية فى الواقعة.”
كلام محترم وجيد من وزارة الداخلية، ولكن أي من أخلاقيات وتعاليم الدين الإسلامي قصدها سيادة اللواء؟
في الإسلام إهانة إنسان حرام، ضربه حرام، تعذيبه حرام، ماله حرام، عرضه حرام، كله حرام.
في الإسلام أشياء كثيرة محرمة، لو التزمت الداخلية بنبذ نصفها، لصافحتهم الملائكةٌ في الطرقات.
(3)
الأجدى بالداخلية أن تتبنى برنامجا علاجيا انتقاليا لأفرادها، تعترف فيه بان خللا عميقا قد ضرب النفوس في ظل العقود الخربة الثلاثة التي مضت، ضمن الخلل الذي تغلغل في المجتمع ككل، وساعتها سنحترم شجاعة الاعتراف وشجاعة تدارك وحل الأزمة من جذرها.
وأعرف جيدا أن سيادة اللواء محمود يسري يدرك أن “تقويم” المسار من الإسلام.
وأذكر نفسي واللواء محمود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يلقى ربه:
: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلا إِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي حُقُوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ ، فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ ، أَلا وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ مِنْهُ مَالا فَهَذَا مَالِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ “
أما آن لمن جُلد ظهره أن يقتص يا سيادة اللواء؟
بالطبع تحويل الأمناء للنيابة، ومحاكمتهم أمرُ ضروري، لكن اجتثاث الأزمة من جذرها هو الأهم قبل أن يفتضح أمر 100 فيديو فيها تلاعب بجثامين الأموات والأحياء على حد سواء..وأنت تعلم أن ما خفي في جرائم الداخلية كان أعظم.
(4)
بلوة الداخلية معروفة، أما بلوة الصحافة المصرية فلا يبدو أن لها حدودا..
نشرت بعض الصحف الورقية في صدارة صفحتها صورة الجثمان، دون مراعاة لحرمة الموت ولا لمشاعر أهل المقتول.
بل تبرعت أحدى الصحف القومية بالإشارة إلى أن المقتول كان خارجا عن القانون، في محاولة للإيحاء بأن جريمة أمناء الشرطة ليست فادحة إلى هذا الحد!
أما المواقع الإلكترونية فقد تبارت في نشر الفيديو دون إيلاء أي انتباه لمواثيق الصحافة المهنية التي تقضي بعدم نشر صور الجثث والموتى والمصابين وضحايا الاغتصاب والمتهمين إلى أن تثبت إدانتهم.
تسعى مواقع الصحف للزيارات والـ traffic، لتحصل على تصنيف أفضل في ترتيبها على مستوى مصر. وفي ظل التسابق المحموم، شهدت الشهور الأخيرة معركة ضارية بين كبرى المواقع المصرية، التجأ فيها البعض لفيديوهات وصور ذات طابع “مثير” لاجتذاب القراء.
وهو ما بدا مثيرا للامتعاض..
لكن أن تنشر هذه المواقع مجتمعة، فيديو لجثة مصابة دامية عارية بائنة الوجه بينما يتلاعب بها أفرادٌ مرضى..فإن الصحافة المصرية، حرفيا، تقتات على جثامين الموتى!