أحمد الدرينى يكتب | لماذا يكرهني كريستوفر؟
ربما كان كريستوفر أرزروني بورسن هو أول شخص ألتقيه في حياتي، وأدرك أنه يكرهني بوضوح!
كريستوفر أصر على أن يقول لي إنه يكرهني..هو لا يعرفني بصورة شخصية، لكنه يكرهني.
لماذا يكرهني كريستوفر؟
(2)
لم أتوقع أن يبدأ شخص ما بتعريف نفسه على أنه: مواطن دانماركي، مسيحي الديانة من قلبه، يميني الانتماء، يؤمن بحرية السوق!
لماذا وضع كريستوفر، الصحفي الدانماركي اليميني والسياسي المنتمي لحزب الشعب، يده على قلبه في أداء تمثيلي هزلي وهو يقول إنه دانماركي مسيحي من قلبه؟
حين هاجر والدا كريستوفر الأرمينيان من مصر إلى الدانمارك، اختارا لابنهما اسما لا يشي بأصوله الأرمينية، وربما اختار هو أيضا أن يتناسى هذه الأصول، لحاجة في نفسه.
يقولون إن المهاجرين الذين يريدون الاندماج في المجتمع الذي هاجروا إليه، يزايدون على الجميع، ويعتنقون أفكاره أكثر أجنحته تطرفا، كي يثبتوا أنهم جزء من هذه المنظومة.
الأمر يشبه المهاجرين الذين استقر بهم الحال في الولايات المتحدة، فيهرعون للاهتمام برياضة البيسبول مثلا، ويتابعون أخبار فرقها بشغف مبالغ فيه، ويزايدون على الأمريكان في معرفتهم بقواعد اللعبة.
يقولون إن الإنسان حين يستعيض عن تعريف نفسه، بما يفترضه سياق التعريف، فإنه يحاول التعمية عن شيء آخر.
فإذا كان كريستوفر صحفيًا، ويلتقي بعدد من الصحفيين المصريين كما جرى لنا، فمن البديهي والمتعارف عليه أن يقول إنه صحفي في الجريدة الفلانية.
لكنه اختار أن ينحي الصحافة جانبا، وأن يترجمنا أمامه إلى حفنة من المعلومات المجردة كما يفعل الباركود أمام أجهزة المسح الحاسوبي.
1- هم عرب، شرق أوسطيون، مسلمون.
2- هم مهاجرون محتملون أو مصدر قلاقل منتظر.
3- ينبغي أن أمنعهم من أن يقتربوا من أرضي.
(3)
يهوى كريستوفر بقبضة يده على المنضدة الخشبية وهو يعبر عن أفكاره، في حركة تشي بانعدام ذوق.
ويسعى بكل ما أوتي من قوة لتنحية الحديث عن الصحافة جانبًا ليقول لنا إن القرآن يهين معتقداته، وإن المسلمين أمة خاسرة، وإن البقاء للأقوى.
ويصارحنا بأنه يهتم بأزمات بلادنا لأنها مصدر قلاقل محتمل لبلاده، حين يفكر سكان بلادنا في الهجرة لبلاده.
أليس والدا كريستوفر مهاجران؟
لماذا يكره المهاجرين هكذا؟ هل ينتقم من ماضيه في حاضر كل المهاجرين؟
لم أصل إلى إجابة جازمة. لكن كريستوفر يشتت أفكاري بإصراره على توجيه كل لفظ مستفز لنا. ويبدو أن جهود التواصل معه على نحو حضاري لا تجدي.
حسنا..فلنضرب المنضدة بأيدينا ولنمسح بكريستوفر البلاط!
(4)
اختار الصديق إبراهيم الجارحي، أن يذكره بأن الأمة الخاسرة بمقدورها إغلاق قناة السويس في وجه إحدى كبرى شركات النقل البحري في العالم، والتي تحمل جنسية بلاده.
وأصر على أن يطلعه على أن الإمارات بمقدورها أن تمنع سفنه من المرور في موانيه.
وطاف به في جولة اقتصادية متخيلة، عن مصيره لو أن الأمة «الخاسرة» فكرت في تكسير عظام بلاده.
لكن نحن لا نريد أن نكسر عظام أحد، ولا أن يكسر أحد عظامنا، كل ما نريده أن نعيش بسلام لكن كريستوفر واليمين المتطرف من ورائه، يتخيلون أن العالم لا يستقيم دون حرب ضروس.
لماذا بدا لي كريستوفر شديد الشبه باليمين المتطرف في بلادنا؟
هل لأن الشر والغباء جوهر واحد في وجه كريستوفر ووجه غيره؟
سترد الصديقة نهى النحاس على كريستوفر، وسيبدو الأمر عبثيًا جدًا. فقد جئنا من مصر لتعليم كريستوفر الأدب والاحترام، وفضيلة التعددية واحترام الآخر.
لكن كريستوفر لا يحترم كل هذا.
(5)
لماذا ذكرت اسمه كثيرا؟ هل لأنه استفزنا جميعًا إلى هذا الحد؟ هل لأنه كان وقحًا على نحو مبالغ فيه؟
حسنًا لقد تم مسح البلاط- حرفيا- بكرامته وكرامة اليمين الدانماركي المتطرف من بعده، فلماذا ظل كريستوفر أبرز ما في زيارتي للدانمارك؟
هل لأنه أوصل لي مباشرة أنه يكرهني بصورة مباشرة؟ يكره عيني البنية وملامحي الشرق أوسطية وديانتي وعرقي وأهلي وبلدي؟
أزمة كريستوفر ليست مع الإسلام كما بدا لي، لكنها أزمة مع كل من هو سواه.. سوى عرقه ولونه ودينه ومعتقده.
بعد الجلسة، سيبدو الأمر أوضح.
لقد كان يستفزنا متعمدًا، بغرض إحداث جلبة، فمعركة، فانسحاب من جانبنا أو رد فعل عنيف، كي يتقدم بمذكرة بما حدث لخارجية بلاده ولحزبه، أملاً في أن يحصد شيئًا ما..على ما ذهبت إليه الشواهد فالتفسيرات.
ألهذا الحد أنت شرير؟
(6)
حين أجريت بحثًا عن اسم كريستوفر وصادفت صورة له، أحسست شيئًا بغيضًا.
لقد كانت عينا كريستوفر تقولان لي بوضوح وعبر موقع جوجل: أنا أكرهك.. وصورتي التي تنظر إليك الآن تكرهك هي الأخرى.