أحمد الدرينى يكتب | ما خفى بين تركيا وداعش
(1)
لماذا رفضت تركيا الاشتراك في الحرب على داعش؟
حملت نيويورك تايمز نصف الإجابة، في تقرير مقتضب، فسرت فيه الجريدة الأمريكية جانبًا من خلفيات القرار التركي وفقا لإجابة مسؤولين في المخابرات المركزية. أما نصف الإجابة الثاني، فهو غائمُ ورابضُ وسط تفاصيل كثيرة معقدة مركبة.
إجابة نيويورك تايمز، التي أكدها مسؤولو الاستخبارات تشير إلى أن تركيا تحصل على بترول العراق عبر مقاتلي داعش، وتتاجر فيه، وهو ما يدفعها كما يمكنك أن تفهم أن ترفض الاشتراك في عمل عسكري دولي، ضد منبع النفط الزهيد.
في المقالات الـ4 الأخيرة تناولنا بالتحقيق، الدور التركي في تهريب النفط العراقي الواقع تحت سيطرة الأكراد لصالح إسرائيل، لكن لم يخطر ببالي أن تركيا تلاعب كل الأطراف وتستفيد من الجميع.
فوفقا لتقدير المخابرات الأمريكية فإن إمبراطورية داعش الثرية تقوم بالأساس على بيع نفط الأماكن التي سيطرت عليها في العراق عبر الحدود الجنوبية لتركيا، وهو ما جعل التنظيم الإرهابي الوليد، أكثر الجماعات الإرهابية ثراءً على مدى التاريخ.. بفضل السماح التركي باستقبال النفط المهرب.
لم يفصح مسؤول المخابرات المركزية عما يجري لنفط داعش داخل تركيا، سواء كانت تركيا هي المستفيد الرئيسي أم أنها نقطة تلاقي وسيط مع مشتر آخر، كما في حالة النفط الكردي المهرب الذي توصله تركيا لإسرائيل.
لكن الباحث لؤي الخطيب بمركز بروجنكز، سيوضح في حوار مع سي إن إن الأمريكية خريطة الاستغلال التركي للنفط العراقي عبر بوابة داعش.
يقول الخطيب: تسيطر داعش على طرقات التهريب والنفط الخام المنقول بالناقلات إلى الأردن عبر محافظة الأنبار، وإلى إيران عبر كردستان، وإلى تركيا عبر الموصل، وإلى أسواق سوريا المحلية وإلى منطقة كردستان العراق، حيث يتمّ تكرير معظمه محلياً.
غضت تركيا نظرها عن الأمر وقد تستمر على هذه الحال إلى أن يمارس الغرب عليها بعض الضغط لإغلاق أسواق النفط السوداء في جنوب البلاد.
سيبقى نفط داعش محصوراً ضمن هذه الأسواق السوداء، ولن يحظى التنظيم بأي فرصة لإرساء شبكة أنابيب متطورة. تتميز شبكات التوزيع الثابتة بالتعقيد، وتتطلب استثماراً وقد تتحول إلى أهداف للجيش العراقي والبشمركة الكردية.
(2)
نحن إذا أمام حقيقة جلية حول نظام السيد رجب طيب أردوغان الذي أضحت بلاده كعبة الأعمال غير المشروعة في المنطقة.
وهو ربما ما تجلى في الزيادة اللافتة في الأموال الدخيلة على الميزانية التركية دون نسبتها لمصدر معلن صريح.
فقد سجلت الخزانة التركية في النصف الأول من العام الحالي دخول 6.4 مليار دولار زائدة دون أن يكون لها مصدر معلوم.
والمثير أن الأموال مجهولة المصدر التي هبطت من السماء على الخزانة التركية ارتبطت بالفترة من 2003 حتى 2014، أي منذ فوز رجب أردوغان بأولى ولايتيه كرئيس للوزراء. وقدرت الأموال المتدفقة من 2003 حتى 2013 بـ29.3 مليار دولار مجهولة المصدر. ومع التوقعات المالية ستصبح جملة الثروات الهابطة من الأعالي بانتهاء العام 2014 قد بلغت 40 مليار دولار!
لم يتمكن البنك المركزي التركي من التعامل مع مبلغ بمثل هذه الضخامة على أنه خطأ حسابي.
ونقل موقع المونيتور المعني بشؤون الشرق الأوسط على لسان نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض قوله إنه على مدار النصف الأول من 2014 دخلت 8.8 مليار دولار البلاد عبر مصدر مجهول، فيما خرجت 2.6 مليار دولار من مصدر مجهول أيضًا.
بالتنقيب خلف تاريخ الأعمال غير المشروعة التي تجري على الأراضي والموانئ التركية، سيقدر موقع «هافوك سكوب» المتخصص في تعقب أعمال التهريب والقرصنة والممارسات الفاسدة حول العالم، بأن هناك ميزانية أعمال فاسدة تجري في تركيا بواقع 17.6 مليار دولار.
تحوز عمليات تهريب النفط منها على مبلغ 2.5 مليار دولار.
ووفقا للسياسي التركي المعارض، فإن الضغوطات أظهرت أن الأموال مجهولة المصدر التي دخلت خزانة تركيا تحت حكم العدالة والتنمية، جاءت بالأساس من إيران وسوريا و«الخليج».
وهو ما يظهر أن شبكة الفساد الإقليمية التي تدير مصالحها عبر نكبتي العراق وسوريا، تعمل بأقصى كفاءة ممكنة، وبقواعد عرفية بينية تنظم عمل هذه العصابة.
(3)
وحدهما تركيا وقطر هما اللتان أظهرتا عدم حماس في مؤتمر جدة لمحاربة داعش. ويجىء الموقف التركي رغم احتجاز 50 دبلوماسيا تركيا في الموصل من قبل مسلحي داعش منذ يونيو الماضي، ليثير علامات استفهام منطقية.
فقد قال وزير الخارجية التركى مولود تشاووش أوغلو إنه استشعر الحرج من الانضمام للبيان الختامى لمؤتمر جدة، نظرا لوجود عدد من المواطنين الأتراك تحت سيطرة تنظيم داعش، لذلك لم ترغب بلاده في تعريض حياتهم للخطر!
رغم الوجاهة الظاهرة للحجة التي ساقتها تركيا، إلا أنها لم تشر إلى علاقاتها النفطية بداعش والتي تسهل من المفاوضات بين الطرفين بشأن الرهائن، ثم لم تشر إلى سبوبة النفط المتدفق بغير حساب إلى الموانئ التركية.
هل تعرف أن السيد تشاووش أوغلو، كان يشغل قبل أسابيع قليلة منصب مدير المخابرات التركية قبل أن يصبح وزيرا للخارجية، بعد فوز أردوغان بالرئاسة؟
معلومة قد تصبح ذات جدوى.
(4)
«كما ألقى السيد تشاووش أوغلو كلمة أمام رجال الأعمال الأتراك المقيمين في قطر في مقر السفارة التركية في الدوحة، تحدث فيها عن التعاون القائم بين تركيا وقطر في العديد من المجالات كالمجالات التجارية والصناعية والصناعات الدفاعية، وأوضح أن أهم الشركات التركية تملك استثمارات لها في قطر».
هكذا علق موقع وزارة الخارجية التركى على زيارة تشاووش لقطر في 12 سبتمبر بعد أيام قليلة من مؤتمر جدة، وفي ظل تأهب المنطقة لحرب حاشدة ضد داعش، وبالتوازي مع فضيحة الأموال مجهولة المصدر التي قفزت للخزانة التركية ولم يعد ممكنا إخفاؤها لوقت أطول.
هل يمكن أن نستنتج شيئا؟
سيكون متعسفا بعض الشيء أن نربط وجود ما دعاه تشاووش «أهم الشركات التركية» في قطر، بالإشارة لرأس المال الخليجي الذي دخل خزانة بلاده بصورة غير شرعية، لكنه سيظل احتمالا قائما وواردا بشدة.
لكنه سيكون من الميوعة بمكان أن نغفل تطابق موقف الدوحة وأنقرة من حرب داعش، وأن نتجاهل فتور كليهما تجاه التحالف الدولي لضربها.
قطر لها علاقاتها الواسعة بالتنظيمات الإرهابية في المنطقة، والتي تلقي بأسئلة مريبة كثيرة حول كيفية تكوين هذه العلاقات وطريقة إدارتها واستثمارها، بل واستئثارها بها دون الأنظمة جميعا.
فقد وجه قبل وقت قريب الصحفى الأمريكى بيتر كيرتيس الشكر لقطر التي نجحت جهودها في إطلاق سراحه، بعد أن احتجزته «جبهة النصرة» في سوريا لمدة عامين متصلين، مع وعود من قطر بالمفاوضة على 4 رهائن أمريكية أخرى في سوريا.
هذه العلاقات المتشابكة مع النصرة (فرع القاعدة)، ومع داعش كمهرب للنفط العراقي، ومع ميليشيات إسلامية مسلحة في ليبيا، كلها شبهات يصعب أن تتجاهلها وأنت تقرأ دوافع الموقفين التركي والقطري إزاء ما يجري بالمنطقة.
(5)
بالطبع قد تستضيف تركيا قيادات الإخوان المقصاة من قطر، لتصبح أنقرة هي عاصمة تمركز فلول الإخوان، ولتستضيف بصورة كاملة ونهائية أنشطة التنظيم الدولي للإخوان.
وبالطبع قد تكون الـ40 مليار المتسللة بلا غطاء أو مصدر للخزانة التركية هي جزء من نشاط التنظيم الدولي، أو جزء من الأموال المخصصة لمشاريع المقاولات السياسية الجارية في المنطقة على قدم وساق.
أي نعم ليست قطر مسؤولة عن توريد الـ40 مليار دولار بمفردها، غير أن أصابع الاتهام تشير إلى حصة كبيرة من جانبها بأكثر مما تشير لغيرها.
وقد بات من الأكيد..أن قطر وتركيا لن تستطيعا المضي قدما في إخفاء ما يجري تحت الطاولة، لأكثر من شهور قليلة قادمة.
فالأرقام والبيانات والمواقف الدولية الحاسمة والمعارك العسكرية المرتقبة، ستضطر الجميع للإعلان عن انحيازاته على نحو سافر.