أحمد سمير يكتب | الانتخابات الرئاسية.. شيء من الخوف
(1)
16 يناير 1956..
أجرى الضابط جمال عبد الناصر استفتاء رئاسة، أشرف عليه، وجاءت النتيجة «6 ملايين و847 ألفا و14 مواطنا» صوتوا بـ”نعم” لجمال رئيسا مقابل «32 بنى آدم» قالوا “لا”.
آه.. أكثر من «6 ملايين مقابل 32».. لم تخطئ قراءة الأرقام.
فيما بعد.. الضابط عبد الناصر عين الضابط السادات نائبا له.. السادات أجرى استفتاء فور توليه، وفاز فيه بـ«98.99»..
اختار الضابط السادات الضابط مبارك ليخلفه.. وفاز “مبارك” في استفتاء عام 1981 بـ«99.999%». وفى أكتوبر1987 أجرى استفتاء تجديد ولايته، لتعلن النتيجة 99.5% موافقة.
وفي 2014، جرى استفتاء، أشرف على تأمينه نائب رئيس الوزراء للشئون الأمنية عبد الفتاح السيسي، وانتهى بـ«98.1»
(2)
قيل لنا إن ذكاءهم سيمنعهم من الترشح للرئاسة.. قيل لنا إن ذكاءهم سيمنعهم من إخراج مشهد الـ98%.. الآن يقال لنا إن ذكاءهم سيجعلهم يدبرون مسرحية ديمقراطية..
تبحثون عن “ذكائهم”.. وستبحثون عنه طويلا.
(3)
العقلية العسكرية بسيطة.. تريد الإجماع.. لسبب ما نتصور أنه يريدون مسرحية انتخابات رئاسية ديمقراطية.. لكنهم لا يقبلون إلا تحية عسكرية ووقوف الطابور كله انتباه.
الذعر الإعلامى من أى مرشح للرئاسة واضح.. فمَن جمعهم غباء الإخوان يخشون أن تفرقهم تضارب مصالحهم في الانتخابات.
يخشون تفكيك التحالف حول الدولة الأمنية.. فحملة التشويه التى يتعرض لها كل من يعلن أنه سيخوض الانتخابات وراءها خوف من فتح المجال السياسي وإعادة الحديث عن الحريات وإنهاء نفاق “لا يوجد غيرك”.
صور أى مرشح فى الشارع تثير قلقهم.. هذا يعنى انكسار احتكار الشارع لصور نفس الشخص.. فالتكتل وراء شخص واحد لأنه يبدو الأقوى، واهتزاز صورة القوي الوحيد تنهى التكتل.
وجود أى مرشح- أيا كان حجم أنصاره- يعنى قمع الدولة الأمنية لهؤلاء الأنصار.. ليس بالضرورة بأوامر مباشرة من القيادات، ولكن لأن الدولة الأمنية لا تفهم إلا هذا.. وهو ما يعنى تزايد الخصوم، ويفتح جدلا في الإعلام على أساس سياسي بعيدا عن “الحرب على الإرهاب”.
يعلمون أن نتيجة الانتخابات محسومة.. لكنهم يخشون مما بعدها.
(4)
صوتك ليس أمانة..
أشد المتحمسين لدعوة وزير الدفاع للترشح الكثير منهم سبق أن صوتوا لشفيق، وقبلها كانوا سيصوتون لعمر سليمان؛ لكن “ربنا لم يوفقهم”.. هم يتعاملون مع الأمور ببساطة.. أى شخص يرتدى زيا عسكريا ويجيد استخدام السلاح.
يعرفون تماما ماذا يريدون.. السؤال هل نعرف نحن ماذا نريد؟
لا أفهم سر “لن ألوِّث يدي”، أو أنا نادم لانتخاب أبو الفتوح، أو حمدين، أو خالد على.. بينما لا تجد من يقول إنه نادم لانتخاب “مرسي” أو “شفيق” رغم ما أوصلونا إليه.
صوتك الانتخابي ليس مقدسا، فالانتخابات ليست طوافا حول الكعبة.. الموضوع ليس أكثر من اختيار “الأقرب” لا أكثر ولا أقل.
التصويت العقابي جزء من الديمقراطية.. ليس في انتخابات الرئاسة فقط، ولكن فى انتخابات نقابتك وجامعتك واتحاد ملاك عمارتك.
(5)
التفجير خسرنا كتير.. حدثت تغيرات فكرية لقطاع من النخبة وقطاع أكبر من الشعب خلال حكم “مرسي”.. خطاب “الإخوان” شديد التطرف، وتصاعد خطاب شديد التطرف في المقابل يمجد مؤسسات الدولة، ويجاهد للحفاظ على فسادها باعتبارها سد ضد “الإخوان”.
تغيير الأمر الواقع رهن بتغيير موازين القوى، وتغيير موازين القوى لن يأتى إلا عبر تغيير قناعات الناس.
التحرك في الشارع مع الناس ضرورة.. سواء عبر الدعوة لانتخاب مرشح معين أو عبر الدعوة للمقاطعة.. كلاهما يكسر الصوت الواحد في الشارع.
السلطة تريد انتخابات لتكريس استبداد الصوت الواحد والنجاح الاستفادة من فترة الانتخابات لكسر هذا الاحتكار.
اتفهم منطق الانسحاب بأكبر قدر ممكن من شباب الطبقة الوسطى لعزل النظام.. لكن ذلك لن يتم إلا من خلال دعوات جماعية واضحة للمقاطعة في الشارع.. فالبقاء في المنزل ليس مقاطعة؛ البقاء في المنزل هو مجرد بقاء في المنزل.
إثبات للعالم أن الانتخابات غير شرعية غير مفيد؛ فالأهم أن تثبت هذا لأهالى شارعك.. فالقصة الآن ليست ماذا نفعل في انتخابات الرئاسة القادمة؟ ولكن ماذا نفعل لتكون هناك أصلا انتخابات رئاسة قادمة يوما؟.
(6)
يوما ما كنا نتشاجر “نعم” أم “لا” فى استفتاء مارس.. يوما ما كنا نتشاجر؛ “حمدين” أم “أبو الفتوح”.. يوما ما كنا نتشاجر؛ “الانتخابات أولا” أم “الدستور أولا”.
حكمة الـ3 سنين الماضية.. «متحزقش».
فليقاطع من يقاطع، ولينتخب من ينتخب؛ فليست هذه هى القضية.. القضية دوما أن نقف ضد الظلم والفساد وكذلك ضد التفجير والتكفير.. فالخطوات الإجرائية بنزول تظاهرة أو دعم مرشح ليس موقفا أخلاقيا ليستحق أن نختلف حوله.
أن استطاع أى مرشح مدنى بناء تحالف واسع وقدم خطاب حقيقي مع الحريات والعدالة والاجتماعية، فسيلتف حوله الناس وأن لم يفعل فأعضاء حملته أنفسهم لن يذهبوا لانتخابه.
حان وقت أن نتحمس للتوقف عن الحماس.. المواقف الإجرائية لا تستحق منا كل هذا لكن كسر الخوف يستحق.
وعموما.. سلمها لله..