أيمن الجندى يكتب | الباب الأمامى
تطلّقت ريهام بعد زواجها بمدة قصيرة. لكنى لم أُفاجأ بهذا النبأ على الإطلاق.
عرفتها حينما عملنا معا فى مكان واحد. كانت وقتها شابة فى الثانية والعشرين، لا يميّزها حسن لافت ولا قبح منفر فيما عدا عينيها الكحيلتين الواسعتين. كان قوامها فارعا ووافر الأنوثة بشكل لافت للنظر، ولم يكن غريبًا أن يلتفت الرجال بنظرة متأنية فاحصة كلما مرت بهم.
مرت الأيام ونمت الألفة بيننا. كنا فى أوقات الفراغ نتحدث كثيرا، وفهمتُ أنها كسائر الفتيات تنتظر الحب الذى يتوجها ملكة ويجعل لوجودها معنى وغاية. لكن السنين تتابعت وأصبحت ريهام تهدف نحو الثامنة والعشرين دون ارتباط. ودار الحديث بيننا عن الخطّاب الذين يطرقون بابها، وحكت لى كيف ينتهى الأمر دون تمامه، فيما تعارف الناس على وصفه بـ«النصيب».
لكنى كنت أفهم الأمر على نحو آخر. كنت أشعر أن ريهام فى داخلها لا تريد الزواج بطريقة الصالونات. كان الارتباط يفشل لأنها تريده أن يفشل. ربما لم تكن واعية تماما لما يدور فى عقلها الباطن، وكنت أعلم أن النساء نادرا ما يحللن مشاعرهن بدقة الرجال.
ويبدو أننى التزمتُ الصمت وبان على ملامحى الشرود. حتى أثار ذلك فضولها واستحلفتنى أن أصارحها برأيى. قلت لها فى بطء: «أرى أنك لست راغبة فى الزواج بهذه الطريقة، ولكنك تريدين قصة حب تسبق الزواج».
وسكتتْ وقد بانت فى عينيها الموافقة. واعترفتْ بصراحة أنها تتمنى أن تقع فى الحب أولا، فى علاقة خارج البيت، ثم يُتوج هذا العشق بعد ذلك بالزواج.
وبدا على وجهى الكثير من عدم الرضا. كنت أفهمها تماما، ربما أكثر مما تفهم نفسها. إحدى الزميلات التى تزوجت بعد علاقة حب نمتْ فى العمل، حركت مشاعر البنات وجعلتهن يحلمن بتشابه التجربة. ونظرت لريهام فى رثاء. كنت أعلم أن ملاحتها الحالية مجرد طُعْم فوّاح وضعته الطبيعة فى مصيدة الحياة لفترة مؤقتة من أجل أن يتصل النسل وتستمر دورة الحياة. باختصار ثمرة عادية الطعم تُغلّفها الطبيعة بغلاف مغرٍ، ولكن إلى متى؟
أعلم أن الشباب يرحبون بالمواعدة، ولكنهم يتزوجون بالطريقة التقليدية. وحاولت أن أشرح لها فى صبر أنها ترفض الذين يدخلون من الباب، وتفضل القفز وحدها فى الفراغ، مغامرة بهشاشتها وسمعتها. وتعجبتُ أن العريس المرفوض مسبقا لمجرد دخوله من الباب الأمامى، كانت سترحب به هو نفسه لو تسلل من الأبواب الخلفية أو قفز من الشباك. لكن وجهها الذى تقلصت ملامحه فى غير رضا أخبرنى أنها مصممة على تجربة حظها. وقد كان.
باغتنى خبر خطوبتها من شاب بدا لى مريب الملامح غير واضح العمل. وشعرت ريهام أننى غير راض عن اختيارها فتجنّبتنى. لكنها بدتْ فى الأيام التالية سعيدة ومزهوة بأنوثتها بشكل أثار شفقتى فتمنيتُ مُخلصا أن يخيب ظنى وترفق بها الأيام. وتزوجت ريهام وقدمت استقالتها من العمل. وأخذتنا الأيام فى أحداثها المتتالية حتى فوجئنا بظهورها من جديد وفى يدها طفل، وعرفنا أنه قد تم الطلاق.
ووجدتنى حزينا وعازفا عن سماع التفاصيل. الأنانية والبخل وعدم القدرة على تحمل المسؤولية بالإضافة إلى سوء المعاملة. وتعقيدات كثيرة كانت فى غنى عنها لو فتحت الباب الأمامى لمن يريد الدخول منه، وأغلقت الأبواب الخلفية وأوصدت الشبابيك.