أيمن الجندى يكتب | الحب حمادة والزواج حمادة تانى
وصلتنى هذه الرسالة الطريفة: من «إيمان أبوغزالة» مفتشة آثار- كفر الشيخ. «مش هتجوز غيره». تلا جملتى القصيرة صمت مطبق. أمى تنظر نحو أبى فى ترقب وأبى ينظر نحوى فى غضب، وأخى الصغير يضحك بشدة. «يعنى إيه يا بنت؟ هتتجوزيه من غير رضايا». لم أتحدث. ينتظر ردى وأنا لا أنطق، وأمى تترقب، وهو يزداد غضباً. ولأن الحاسة السادسة تميز النساء دوماً فقد شعرت أن الغضب الشفوى لن يشفى غليله منى وأن الخشونة قادمة. وبظهور عرق فى جبهته الحبيبة انسللت هاربةً. أغلقت بابى بحرص وأمسكت بهاتفى، وهاتفت فارسى: «أيوه. كام يوم كده وهيوافق إن شاء الله. أنا عارفة أبويا». ثم أردفت ضاحكة: «وطبعا لو ما اتصلتش اعرف ان أبويا قتلنى. سلام». لحظات وسمعت طرقات على بابى. وأخى الصغير يؤكد: «بابا عاوزك».
جلست أمام أبى، وانتظرت. تبدلت ملامحه كثيرا. بدا هادئاً على غير عادته. لم أستطع منع نفسى من النظر إلى أمى الساحرة المتخفية تحت ستار من الطيبة، ولسان حالى يقول «شكرا يا ماما». تنحنح أبى فانتبهت إليه.. وبدون مقدمات قال: «لو عاوزك صحيح يجيلى دلوقتى حالاً هو وأبوه». رددت بسرعة: «دلوقت؟؟… وبعدين أبوه ميت». «يجيب خاله ولّا عمه ويجى حالاً، وإلا مفيش معاد تانى». انتفضت من مكانى أهاتفه. خلال ساعات وصل فارس أحلامى ومعه عمه. بعد ترحاب ثقيل وكلمات باردة، تحدث أبى بسرعة شديدة «حتجهزوا كام أوضة». تنفسنا الصعداء.ارتسمت الابتسامة العريضة على وجه أمى وانتظر أبى ردهم بنظرة نسر ينتظر الانقضاض على فريسته!. -«والله يا عمى» (حالة من الطيران اجتاحتنى وأنا أستمع إليها لأول مرة. كالأفلام تُقال «والله ياعمي». كدت أطلق زغرودة)
«أنا هجيب أوضة النوم والمطبخ والسفرة.وانتوا الأجهزة». وضع أبى ساقاً فوق أخرى وشبك يده «والصالون؟». قال فارسى: «عليكم ياعمى». رد أبى بغضب: «إحنا مبنجبش صالونات». ابتسم فارسى بـ«شياكة»: «طيب بلاش صالون. نخليه أنتريه؟؟». وضحك وضحكت، وكادت أمى أن تضحك، إلا أن أبى منعها بنظرة جامدة منه: «إنت جاى تهزر ولا تتجوز؟». ارتبك فارسى: «مهو ياعمى مش هقدر على موضوع الصالون ده.أنا أساسا هشيل حجات كتير». رد أبى بإباء:
-«هتقعّد الضيوف ع الأرض يعنى؟ شكلك جاى تهزر». الوضع بدأ فى التوتر وعم فارسى يبتسم، فسمعه الثقيل لا يساعده على إدراك أغلب ما يحدث. وفى اللحظة نفسها تصاعد صوت سيد مكاوى من راديو الجيران كفاعل خير: «خللى شويا عليا وخللى شويه عليك».
-تساءل فارسى: «ها يا عمى، نقرا الفاتحة والصالون عندك؟» رد أبى بضيق: «إنت جاى تهزر؟». راقبت فارسى من خلف ستار المطبخ وهو يتحول للرجل الأخضر: «جاى أهزر؟ يافندم أنا جاى أخطب بنتك.حضرتك موافق ولا لأ؟».
-قال أبى بلهجة نهائية: «من غير الصالون مش موافق». فرد فارسى: «طب سلامو عليكو بقى، يلا ياعمى».
نهض عمه بسرعة وهو يرفع صوته: «ألف مبروك وربنا يتمم بخير».
-« مفيش جواز يا عمى. عاوزين صالون».«وماله يابنى ما نجيب البالون».
تحرك فارسى وخرج، يسحب فى يد عمه الذى لا يفهم شيئا مما حدث. بعد دقائق معدودات وصلتنى رسالة منه: «صدق اللى قال: الحب حمادة والجواز حمادة تانى خالص».