أيمن الجندى يكتب | الخلفية التاريخية للصراع العراقى
أيمن الجندى يكتب | الخلفية التاريخية للصراع العراقى
قبل قراءة هذا المقال يجب التنويه بأن الإسلام نزل للعالمين كافة وليس لمجد العرب خاصة. وأن كاتب هذا المقال لا يقبل التورط فى أى صراع له صبغة قومية أو طائفية. فالفارسية ليست سبة ولا عارا يتبرأ أبناؤها منها. ولكنها مثل سائر الحضارات التى سبقت الإسلام أضافت له واستمدت منه، وكلنا عباد الله إخوان: العربى، والرومى، والفارسى.
إذا أردنا أن نفهم الحاضر العراقى فلا بد أن نستعيد العلاقة المعقدة بين العراق وإيران بسبب الجوار الجغرافى، فقد تسببت الفجوة العسكرية والحضارية المهولة بينهما قبل الإسلام إلى اعتبار العراق مجالا حيويا لفارس. لا ننسى أن فارس كانت صاحبة حضارة عريقة ورثت علوم البابليين والأشوريين وأضافت إليها علوم الهند وترجمت علوم اليونان. وكانت نظرتهم للعرب أنهم أهل بادية وغلاظة. ولذلك أقاموا للقبائل العربية مملكة الحيرة فى العراق لتكون بمثابة حاجز بشرى بينهم وبين الدولة البيزنطية.
ثم بدأت الحضارة الفارسية منحنى الهبوط، وكثر الظلم والاضطهاد وانعزل الأكاسرة عن الشعب، وتدهورت أحوال الإمبراطورية.
بعد وفاة الرسول فتح خالد بن الوليد مملكة الحيرة، لكنه لم يتم فتح العراق، حيث أرسله أبو بكر لفتح الشام. فى عهد عمر اُستكملت الفتوح وقاد سعد بن أبى وقاص الجيوش الإسلامية وانتصر فى معركة القادسية، واستولى على المدائن ودخل العمق الفارسى وانتهت الإمبراطورية الفارسية. وأقبل الفرس- طواعية وبإخلاص- على اعتناق الإسلام؛ فقد كانت المظالم والفوضى السابقة للفتح تدفعهم دفعا للدين الجديد. لكن الدولة الأموية قد تعاملت مع فارس بكثير من الصلف والاحتقار برغم الهدى النبوى الذى يرفض أنواع التمييز ويساوى بين البشر. كان الفاتحون العرب يتزوجون بناتهم ولا يسمحون لهم بالزواج من عربية، وإذا حدث ذلك يفرقون بينهما بعد جلده وتحقيره، بل حتى أبناؤهم من الفارسيات كانوا يُعاملون معاملة الدرجة الثانية. كان هذا مستفزا للفرس الذين تعمقوا فى الدين وطالبوا بالتطبيق السليم لشريعة المصطفى فى المساواة والعدل، وحين لم يحدث الإنصاف كان إقبالهم على أمجادهم القديمة أمرا متوقعا، وبدأ ظهور ما يسمى «الشعوبية». وكان رد فعل الدولة الأموية حاسما وحافلا بالعنف والتنكيل.
فى هذا الوقت كان هناك فريقان مُضطهدان من قبل الأمويين هما الفرس وأنصار آل البيت. وكانوا يعلمون جيدا أن استعادة المجد الفارسى القديم مستحيل إلا من خلال الإسلام نفسه عن طريق الدفع بسلطان يدين لهم بالفضل والولاء. وبدهاء اختاروا الطرف الضعيف وهو التحالف القائم وقتها بين العلويين والعباسيين وقاموا بمعاضدته. واستعانوا بأبى مسلم الخرسانى وبثوا الدعاة حتى ضعفت الدولة الأموية وحاربوا جيش مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين وهزموه، وبويع أبو العباس المُلقب بالسفاح.
وبالطبع حفظ العباسيون الجميل وجهروا بدور الفرس فى إقامة الدولة. وازداد نفوذهم بعد تولى المأمون الذى كانت أمه فارسية.
ويمكن وصف التأثير الفارسى على العرب بعد الإسلام أنه كان بمثابة القوة الناعمة. فلقد تسربت مفردات حضارتهم القديمة إلى تفاصيل الحياة العراقية: فنون الطرب والغناء، الاحتفال بأعياد فارسية محضة كالنيروز، أخذوا نظام الديوان والبريد وعرفوا أبهة الحكم الفارسى. ونبه من الفرس أعلام لم يزل التاريخ يحتفى بهم مثل أبى حنيفة والبخارى والطبرى.
واليوم بعد هذا المرور السريع تلتقى أهداف المتعصبين مع القوى العالمية التى لا تريد خيرا لنا. ولكن هذه قصة أخرى.
المعنى المهم فى هذه الحقيقة المُخزية هو أن الدولة قد رفعت يدها تقريباً عن الاهتمام الجدى بصحة المواطنين، وتركت الأمر كله لهم يدبرون حالهم بأى طريقة كانت