أيمن الجندى يكتب | السفر عبر الزمن
السفر عبر الزمن ممكن نظريا. كل ما عليك أن تجد وسيلة مواصلات تقترب من سرعة الضوء وحينئذ يتوقف الزمن. أما إذا استطعت تجاوزها، أقصد سرعة الضوء، فمرحبا بك معى فى الماضى.
لكلٍ طعمه ونكهته. إذا كانت وجهتك إلى المستقبل فإنك سترى- رأى العين- مصير البشرية! هل ستتراكم المعارف إلى ما لا نهاية؟ أم ستتحقق نبوءة المتنبئ أن لكل أمر إذا ما تم نقصان؟ هل سنستعمر الكواكب المجاورة ونتنزه فى المجرات القريبة؟ أم سيرتد الإنسان إلى حياة الكهف بعد حروب مدمرة؟ هل سنعالج الصلع والأنفلونزا والبدانة؟ أم سيعود الجدرى والطاعون وشلل الأطفال؟
كلها أسئلة لا إجابة لها إلا إذا صحبتنى فى رحلة إلى المستقبل.
اختراق الماضى لا يخلو أيضا من متعة. سوف تجد إجابات لكل الأسئلة المحيرة! سوف تعرف إلى أى حد تم تزييف التاريخ؟ سوف ترى العظماء الذين غيروا العالم؟ صحيح أنهم فى أغلب أحوالهم تعساء فقراء مهانون، ولكنهم عباقرة! وربما تلتقط أذن فان جوخ التى قطعها فى نوبة يأس حارقة. ولكن ألا يسعدك أن تسر إليه أن التاريخ سيحتفى به فيما بعد وستباع لوحاته بمئات الملايين برغم أنه الآن يتضور جوعا.
لكن العودة إلى الماضى لا تخلو من مخاطر! هب أنك تدخلت فى أحداثه، عفوا أو قصدا، فهل تعرف ماذا سيترتب على ذلك؟ إن قتل غلام يافع ربما أدى إلى تلاشى ملايين البشر فى المستقبل! ربما تكون أنت من بينهم! من أدراك أن هذا الغلام هو جدك بالذات؟ هل تعرف سلسال أجدادك من عهد آدم إلى اليوم؟
لذلك ينبغى عليك- وأنت هناك- أن تأخذ الحذر. كن متفرجا فقط كما تشاهد المسلسلات التاريخية. لا أضمن لك كيف ستعود من هذه الرحلة؟ ربما كفرت تماما بالإنسانية؟ ربما اكتشفت أن أبطال التاريخ، الذين جعلنا لهم مكانة عالية، هم فى الحقيقة رجال مثلنا بكل صوابهم وأخطائهم.
هناك أيضا فوائد مالية. حينما ترتحل إلى الماضى فإنك ستكون الوحيد الذى يعرف المستقبل. سوف تخبرهم متى تزول الدول وتنشأ الإمبراطوريات؟ سوف تخبر الملوك من سينتصر فى الحروب؟ من المخلص فى حاشيتهم ومن الخائن؟
وحتى بالنسبة للفرد العادى: ما هى فرص الاستثمار المثمرة فى المستقبل؟ كانت أراضى مدينة نصر ومصر الجديدة تُباع منذ عشرات السنين بقروش معدودة، وكان بوسعك أن تؤمن حياة أحفادك ببضعة جنيهات تشتريها بها! لا شك أنك بمثابة كنز لمن يحيا فى الماضى، لأنك تمتلك المعرفة التى لا تُقدر بثمن. تستطيع أن تجعل أفقر إنسان أغنى أثرياء العالم. أى فقير متسول تستطيع أن تجعله «عم دهب» الذى كان يأخذ حمامه الصباحى- من أجل الانتعاش- وسط الذهب والفضة.
ولكن ماذا عن الحاضر؟ ألم تلاحظ – عزيزى القارئ- أننى لم أذكره برغم أنه الشىء الوحيد الحقيقى، لكن- للأسف- تمت سرقته بنجاج. سرقوه- ليس منى ومنك فقط – بل من تسعين مليون إنسان مصرى! كلهم يتوقون إلى حاضر، ليس بالضرورة ألا يكون جميلا، وإنما يكفيهم فقط ألا يكون كئيبا. لم يفكر الإنسان فى اختراق الزمن إلا لحظة أن سرقوا منه «الحاضر».
ترى لو ذهبت- عزيزى القارئ- إلى قسم الشرطة لتحرير محضر بسرقة «الحاضر»، باسم تسعين مليون مصرى- فمن الذى ستتهمه بارتكاب هذه الجريمة؟.