وسمعنا أصوات الأمواج وهى تتكسر على شطآن الجزيرة قبل أن نراها. وشرعنا ننتظر فى أمل مكبوت مهرجان الألوان الحافل على شرف الشروق. وصرنا، نحن شباب الجزيرة، نستعجل الملاك الموكل بحمل الشمس على عربته الفضية كى يُفضى باليوم إلى نهايته حتى تبدأ ليلة العرس التى ننتظرها فى لهفة.
لم يكن لدينا ما نفعله فى انتظار الغروب. جلسنا بأجذاعنا العارية نتسامر قليلا. نتحرك كى نتحرر من الطاقة الزائدة المنبعثة من أجسادنا العفيّة. كان آخر يوم لنا فى الخدمة اليوم الذى انتظرناه طويلا منذ بدأنا خدمتنا الإجبارية فى رعاية القبيلة، والأمل الذى واسانا فى أيامنا المُنهكة، والحلم الذى ادخرناه ونحن نغوص فى الأعماق باحثين عن اللآلئ، نحارب بأيدينا أسماك القرش، غير عالمين هل ستُكتب لنا النجاة أم لا!
لم يكن لدينا غير أمل واحد. أن تمر الأيام بسرعة، حتى تمر فترة الخدمة الإجبارية التى لا مفر منها، وتأتى ليلة العرس، يوم يهبون لنا قطعة أرض صغيرة، ونضم إلينا عروسا ونُنشئ أسرة. وتمضى أيامنا بعدها فى يسر وسعادة.
جزيرتنا جنة مصغرة يحوطها البحر الأزرق من كل جانب. تنمو أشجار الفاكهة وينبثق النخيل، وتجرى ينابيع الماء العذب. لم تكن لدينا مشكلة فى القوت فالثمار أكثر من حاجتنا والسمك يقذف بنفسه على الشاطئ والأصداف تتحفنا بلآلئ الزينة.
لم يكن يعكر صفونا سوى تفاوت الحظوظ الذى لا بد منه لحظة توزيع العرائس وقطع الأرض. فى البدء كان يحدث القتال المرير بين الشباب وتسيل الدماء الغزيرة حين ينظر كل واحد إلى نصيب غيره. ثم تراضى الأجداد أن يتم التوزيع بالاقتراع العشوائى، ليتخير لنا الملاك المُوكل بالأقدار العروس المناسبة والأرض الخصبة. وبرغم ذلك لم يسلم الأمر من الضغائن. حتى تعهد الأمر حكيم الجزيرة، وبمعجزة منه لا ندرى كنهها، انتهت الضغائن وارتضى كل واحد نصيبه.
اكتملت رحلة الشمس. وسقط الغروب أخيرا. وبدأت مراسم الاحتفال. الرقص تحت القمر المكتمل، والغناء الجماعى الشجى، وقصائد الغزل. وثمار جوز الهند المشطورة المليئة بالنبيذ المعتق. وعن قريب منا تقف الفتيات صفا بقوامهن السمهرى ووجوههن السمراء. وعيونهن الواسعة التى يختبئ فيها الحب والأطفال القادمون. الحب قدر سعيد لمن تحابيه الأقدار. من منا لا يحلم بقطعة أرض خصبة وعروسا تحيى ليله؟
وجاءت لحظة الاقتراع العشوائى. ووقفنا ننتظر فى قلق. كلنا كابدنا مشقة الخدمة، وكلنا يتمنى حظا خيرا من حظ صاحبه.
وجاء حكيم الجزيرة المزدان بالحكمة والشعر الأبيض، المُطّلع على الأقدار، صديق النجوم، حامل اللؤلؤة المسحورة التى يقرأ فيها طالعنا، ويمرر لنا لمحات من الغيب المحجوب فى كلمات أشبه بالشذرات نتلقفها فى لهفة.
جاء خلفى الحكيم هامسا لى بصوت خافت: «هنيئا لك أن اصطفتك الأقدار بأجمل عروس وأخصب قطعة أرض. ولكن اكتم ذلك عن باقى رفاقك حتى لا تصيبك العين بالعطب».
لم أصدق أذنى من الفرح. وجاءت عروسى أنضر من الورد وأبهى من القمر. وشاهدت الحكيم يهمس فى آذان الشباب بما لم أهتم بمعرفته. وانصرفنا سعداء فى صحبة من نسيم الليل ووشوشة الموج المتكسر. لا أدرى لماذا يبدو الجميع سعداء! ولا ما همس به حكيم الجزيرة للشباب الآخرين! وما الذى يهمنى فى ذلك طالما كنت فتى الأقدار، المخصوص بالعناية، الذى منحته النصيب الأوفى؟!