أيمن الجندى يكتب | حينما مات الموت
استيقظ متهدج الأنفاس على يد زوجته التى راحت تهزه بانفعال مكتوم. نظر حوله مستغرباً. لقد أجهدته الحمى بالأمس. سبعة أيام وهى تفعل هذا على كل حال.. وفى النهاية أخلد إلى النوم المبكر على غير عادته حتى أيقظته زوجته. راحت تهزه فى إلحاح، فتح عينيه ببطء ونظر إليها متسائلاً. قالت له بصوت متهدج:
«أما علمت؟ لقد مات الموت!»
نظر إليها من غير فهم، وقد زاد اقتراب وجهها من وجهه من غرابة الموقف. قال لها فى شبه رعب: «ماذا تقصدين؟»
أشارت إلى غرفة التليفزيون قائلة: «لقد أعلنوا هذا الخبر منذ دقائق».
كان متعباً لم يزل، أنهكته الحمى وود لو ينزلق رأسه إلى الوسادة المبتلة بالعرق إلا أن زوجته دفعته فى حزم: «كيف تنام؟ ألم أقل لك؟ لقد مات الموت».
كان التليفزيون يبث صوراً من جميع أنحاء العالم. وقد بدا شىء من الوجوم والجدية فى تصريحات المسؤولين والعلماء. لم يكن أحد من قبل يفهم حقيقة الموت. هل هو عكس الحياة؟ أم أنه حياة العكس؟ هل هو مرض لا شفاء منه؟ أم مرض نجهل أسبابه؟ وهل فى بنية الأحياء غريزة تدفعها للموت؟ ولماذا يحدث فى الأصحاء على غير توقع؟
أما لماذا انتهى الموت من العالم فجأة فلا أحد حتى الآن يعرف تفسير ذلك، وأغلب الظن أن أحداً لن يعرف. هكذا قال المذيع الحائر.
نظرت إليه نظرة غريبة: «لن تموت أبداً».
التداعيات الاقتصادية والسياسية والفلسفية على هذا الانقلاب الشامل لا يمكن التنبؤ بها الآن، هكذا قال المذيع الواجم، ولكن محتمل أن يشهد العالم اضطرابات مروعة.. لكنها لن تسفر لحسن الحظ عن قتلى (قالها المذيع فى شبه ابتسامة).
«وكذلك أنا. لن أموت أبداً»، قالتها فى توكيد وغرابة.
«سنظل معاً إلى الأبد».
تحاشى النظر إليها وأرهف السمع محاولاً أن يفهم كيف بدأ الأمر كله؟. نعم.. ملاحظات متتالية طيلة الأسبوع الماضى أنه لا موتى فى أنحاء الأرض. لم يمت أحد من الأربعين ألفاً المعتاد موتهم كل صباح. تذكر صفحة الوفيات الخالية فى الأسبوع الماضى وكيف احتلها إعلان بحجم الصفحة عن فتاة تبتسم بأسنان ناصعة البياض، وهى تمسك فى فخر بعلبة معجون أسنان.
قال فى حيرة: «ولكنى ما زلت مريضاً بالحمى، فما معنى ذلك؟»
هزت كتفيها فى غير اهتمام. وهم أن يطلب منها أن تبدل له الفراش المبتل بالعرق ولكنه لسبب غامض لم يفعل. اعتدل بصعوبة وراح يجر قدميه فى كثير من العسر إلى فراشه الذى يفوح برائحة العرق والمرض وروائح أخرى كريهة.
فى الردهة سمع المذيع يطرح تساؤلاته: «ماذا لو مات النوم أيضاً؟ أيكون وجودنا خالداً بلا استراحة؟ وهل سنحن إلى الموت مثلما كنا نهابه. كيف سيكون شكل العالم فى السنوات القادمة؟ والزمن؟ هل سيموت هو الآخر؟ لقد كان الإنسان يموت ويترك الأشياء قائمة؟ فهل أدركنا عصراً يموت فيه كل شىء ما عدا الإنسان؟ يا لها من أحاجى محيرة».
هز كتفيه فى شبه استهانة. فى طريقه إلى غرفة النوم لمح معجون الأسنان موضوعاً على رف فى الحمام يغمز له فى إغراء برائحته المنعشة. لكنه لم يطق فكرة امتزاج رائحة العرق بالنعناع.
ودس جسده فى الفراش المبتل كريه الرائحة وراح ينتظر النوم.