أيمن الجندى يكتب | ربما أعطاك فمنعك وربما كنعك فأعطاك
أيمن الجندى يكتب | ربما أعطاك فمنعك وربما كنعك فأعطاك
تم الشاب ارتداء ملابسه، ووقف يصلح هندامه أمام المرآة. وبينما هو يستعد للخروج إذ وجد رجلا يدخل من باب الغرفة المفتوحة، ويقول بصوت واضح: «لا تخرج».
روعته المفاجأة. قال بلسان جاف: «من أنت؟ وكيف دخلت إلى هنا؟». لم يجب الرجل عن أسئلته وعاد يقول له: «لا تخرج».
ذهب الشاب بسرعة إلى الباب، عاد وهو يقول: «عجباً. الباب مغلق». قال العجوز فى هدوء: «أنا لا توقفنى الأبواب. ولكن دعك من هذا. للمرة الثالثة أقول: لا تخرج». قلب الشاب كفيه متعجباً: «ولماذا لا أخرج؟ وما شأنك بهذا؟!». قال العجوز فى هدوء: «اعتبرها نصيحة». قال الشاب متحيراً: «ولكنى سأذهب للتقدم لوظيفة». قال العجوز مبتسماً: «وستُقبل فى الوظيفة». توهجت عينا الشاب فى فرح: «أحقا؟ إنها فرصة لا تتكرر». جلس العجوز على حافة السرير: «وبرغم ذلك أنصحك ألا تذهب».
قال الشاب وهو يضرب كفا على كف: «عجبا. هل ستصدمنى سيارة فى الطريق؟ هل سأتعرض لحادثة؟». ابتسم العجوز: «بالعكس ستذهب إلى هناك بمنتهى السهولة. وستعتبر التيسير علامة القبول؟». تنهد الشاب: «إذاً فراتبها قليل؟». اتسعت ابتسامة العجوز: «بالعكس أفضل من أى وظيفة أخرى». قلب الشاب كفيه متعجبا: «ما المشكلة إذا؟». تأوه العجوز قائلا: «المشكلة فى مروة!». تساءل الشاب: «مروة من؟». رد: «مروة الفاتنة التى لا راد لفتنتها. ستراها فتقول فى نفسك: ما أسعد من يفوز بقلبها! بعد تسلم العمل ستتوثق الصلة بينكما وتتحول إلى حب. وحين تتزوجها ستفسد حياتك بالمشاكل».
قال الشاب فى دهشة: «تنصحنى أن أترك عملا جيدا كيلا ألتقى بها؟». رد العجوز فى ثقة: «ستتمنى فيما بعد لو كنت لم ترها». قال الشاب: «هل سيتغير مصيرى إذا لم أذهب؟». قال العجوز: «حياتنا تتشكل حسب ملايين الاحتمالات. تتعثر فتنكسر ساقك فتمكث فى البيت. تلتحق بعمل وتعرف زملاء! تذهب إلى حفل فترى فتاة تتزوجها وتصبح أم أبنائك! تذهب إلى الحلاق فينقل لك مرضا. حياة كل إنسان لها ملايين المسارات الممكنة».
قال الشاب فى تردد:«أخبرنى عن مروة. هل هى جميلة؟». قال العجوز بصدق: «أجمل من شعاع الفجر المبلل بالندى! أنضج من التفاحة التى أخرجت أباك من الجنة». قال الشاب وكأنه يخاطب نفسه: «ولماذا لا أخوض التجربة وأحذر. ولماذا لا أقضم التفاحة دون أن أغادر الجنة؟». قال العجوز فى تسليم: «أنت وذاك. لا أحد سيمنعك». قال الشاب وكأنه يقنع نفسه: «تريد أن تحرمنى من وظيفة وحبيبة؟! هذا غير عادل».
ابتسم العجوز فى حزن وهو يتهيأ للانسحاب. تساءل الشاب فى حيرة: «ألن تخبرنى من أنت؟ وكيف عرفت هذه الأشياء». توقف العجوز عند الباب: «اعتبرنى الهاجس الذى يأتى لكل إنسان فى اللحظات الفاصلة كى يحذره. أنا النذير الخفى. الحاسة السادسة التى تنذر الإنسان».
قال الشاب بحيرة: «لا أفهم معظم كلامك ولكنى أشكرك على اهتمامك بأمرى وأعدك بأن أحترس». قال العجوز بصوت خافت: «بمجرد أن تتخذ قرارك ستنسى كل ما قلناه الآن».
وبالفعل اختفى العجوز. ولوهلة بدا الشاب كالمذهول أو كالذى يستعيد وعيه بصعوبة. ثم أصلح هندامه ومضى نحو الباب قائلا: «ماما أنا رايح مقابلة مهمة. ادعيلى أقبل فى الوظيفة».
الأثر الاجتماعى للمشروعات القومية الكبرى بالغ العمق، فتلك المشروعات بطبيعتها كثيفة العمالة، ومن ضمن آثارها شديدة الإيجابية القضاء على البطالة