أيمن الجندى يكتب | رسالة إلى وزير التعليم العالى
وصلتنى من الأستاذ الدكتور«أحمد الجندي» وكيل كلية طب طنطا الرسالة التالية:
أعرض على سيادتكم إشكالية قد تبدو فى ظاهرها خاصة بمستشفانا، لكنها قضية كل مستشفى جامعى، ألا وهى كيفية إدارة المال العام فى بلد فقير مثل بلدنا وغياب فقه إدارة الموارد بكفاءة وفعالية. إننا حين نفكر فى شراء هاتف محمول نختار «سامسونج نوت» لا هاتف الثريا. وحين نختار وسيلة للانتقال داخل المدينة نشترى سيارة لا طائرة. عكس هذا هو ما حدث أثناء تجهيز المستشفى التعليمى بجامعة طنطا والملقب «بالعالمى»، بعد جهد مشكور من رئيس الجامعة وتمويل سخى من الدولة مع مشاركة محمودة من المتبرعين. لكن أثناء شراء الأجهزة الطبية تم وضع العربة أمام الحصان. فبدلاَ من رفع الواقع ودراسة عدد المرضى المتوقع خدمتهم وتحديد احتياجاتهم من الخدمات الصحية ثم طرح المناقصات لاختيار أجهزة تلبى ثنائية الكفاءة ورخص الثمن، تبارى المسؤولون فى شراء أحدث وأغلى الأجهزة. والأرقام التى بلغتنا مهولة. فعند تجهيز قسم الأشعة مثلاً تم اختيار أحدث جهاز للأشعة مقطعية CT-320 ثمنه ١٢ مليون جنيه وصيانته السنوية باهظة ولا يوجد له مثيل فى أى من المستشفيات الجامعية فى حين كان متاحاً شراء طراز آخر كفء CT-16 بمليونى جنيها فقط. وفرق العشرة ملايين جنيه يكمن فى قدرة الجهاز الأحدث على تشخيص ضيق الشرايين التاجية التى تبينها قسطرة القلب بسهولة. كما تم شراء جهاز أشعة مقطعية بالنظائر المشعة PET-CT بتكلفة 21 مليون جنيه ولإمداده بالنظائر المشعة يجرى الآن التفكير فى شراء سيكلترون بخمسين مليون جنيه. وعند تجهيز غرفة عمليات جراحة المخ والأعصاب تم شراء جهاز أشعة مقطعية آخر متنقل ثمنه عشرة ملايين، هو الوحيد من نوعه بمصر. وقس على ذلك باقى الأجهزة.
والموضوع يمكن تلخيصه فيما يلى: هل نحن دولة ثرية، لديها فوائض مالية، وبالتالى نشترى أحدث الأجهزة وأبهظها ثمنا، لأنها بالضرورة تشتمل على مزايا أفضل؟ وبالتالى لا يهم الثمن. أم أننا دولة فقيرة محدودة الموارد؟ فإذا كنا دولة ثرية فلم تتبنى حكومتنا سياسة رفع الدعم والتقشف؟ وإذا كانت الدول الغنية لا تندفع فى شراء أبهظ الأجهزة وأحدثها، وإنما تجهز مستشفياتها بسياسة «الكلفة مقابل المنفعة»، فتحسب أولاً عدد المرضى الذين تخدمهم هذه المستشفى، وما إذا كانت هناك مستشفيات تحتوى على أجهزة مماثلة فى نطاق المحيط الجغرافى، ثم نوعية الحالات التى ستخدمها هذه المستشفى: هل يكفى معظمها الطراز الأسبق اقتصادى الثمن؟
سيادة الوزير: سيادتك لست طبيبا وكذلك رئيس جامعة طنطا، وبالتالى قد يخفى عليكما أن إهدار المال العام يختبئ دائما خلف شعارات براقة مثل تجهيز المستشفيات بأحدث الأجهزة التى تطابق المواصفات الفنية. والحقيقة أننا فى بلادنا المنكوبة نفعل الشىء أولا ثم نبحث بعد ذلك عن مبرراته. وإذا ترك الأمر لأهل التخصص الفنى دون فقه إدارة الموارد الشحيحة فلن يكفينا المليار جنيه لتجهيز كل مستشفى على حدة.
سيدى الوزير.. لقد أبرأت ذمتى بالكتابة عن هذا الموضوع الذى ستُلفق لى بسببه الاتهامات، ولكنى شعرت بمسؤوليتى عن المال العام. وإننى أدعو إلى أن تكون هناك خريطة تشمل جميع المستشفيات فى مصر، وقرار مركزى يحدد احتياجات كل مستشفى من الأجهزة المليونية حتى لا تخضع لأهواء من يتصدى لشرائها بحكم السلطة الممنوحة له، أو للتنافس غير المحمود فى اكتناز الأجهزة باهظة الثمن.