هل تذكرون قصة «الأستاذ نبيل»، التى نشرتها يوم الثلاثاء الماضى؟ الرجل الخمسينى الذى وقع فى غرام آنسة فى العشرينيات؟ «نشوى» التى جعلت قلبه يصحو بعد طول سبات، ويدق بعد طول سكات! لكنه- من حسن الحظ- أفاق إلى حاجز العمر الذى لا يمكن تخطيه، وانسحب فى هدوء محتفظاً بكرامته.
بعد نشر القصة تلقيت هذه الرسالة من «نشوى» أخرى، (هذا ليس اسمها بالطبع). أنشرها لبلاغة أسلوبها وعذوبة معانيها، ولأننى توقعت أيضا أن بعض القارئات الفضليات اللواتى مررن بتجربة مماثلة سيرغبن فى توجيه بعض النصائح لها. أترككم مع الرسالة:
د. أيمن. أكتب إليك الآن تلك الكلمات، لأننى- إذا أذنت لى- أعتبرك صديقى. لأننى أبدأ يومى بعمود «الكثير من الحب» منذ أربعة أعوام، ويمتعنى حديثك عن الطبيعة والعصافير وحياتنا الجميلة التى حباها الله لنا. ولأنك إنسان يبحث عن الجمال وسط الضوضاء، ولأنك حتماً ستفهمنى، لذلك أبوح لك بما لم أستطع أن أبوح به لأى إنسان آخر.
أكتب إليك الآن بعد أن انتهيت من قراءة مقال «الأستاذ نبيل». سيدى لقد وصفت مشاعر أستاذ نبيل بشكل رائع، لكن ماذا عن نشوى؟! د. أيمن أنا أحيا قصة كقصتك. ولكننى لست «نبيل»، وإنما «نشوى». طالبة جامعية تخطى عمرى العشرين عاما! أنا من «توهج باطنى بآلاف الأفراح السماوية» عندما رأيته! هو أستاذى، يفصل بيننا جبل قوامه سبعة وثلاثون عاما. ولكنى أؤكد لك أنه يختفى بمجرد أن نبدأ حديثاً عن شىء نحبه!
فى البداية كان يخطر على بالى دون سبب! أتذكر كلمة قالها! أتذكر ضحكته! أصبحت أنتبه إلى حديثه أثناء الشرح، ولا أذاكر سوى المادة التى يُدرسها. وفجأة شعرت بذلك الشعور السحرى، الشعور الذى قرأت عنه فى الشعر والأدب. لم أتغيب يوما واحدا طوال العام الدراسى. صرت أمقت نهاية الأسبوع وألعن العطل! إلى أن انتهت الدراسة وأتت إجازة نصف العام التى منعت عنى ضياءه. ثم عدنا والعود أحمد. وهيأت لى الظروف فرصة الاقتراب منه أكثر. كان زملائى ينصرفون بعد الدرس، وأبقى أنا لأمتص صوته. كنت أسهر لأحصى النجوم التى تتساقط من عينيه. ونتحدث عن الفن والأدب والموسيقى والسياسة. كنت أسمعه وكأنه يتحدث بلسانى. إن لم يكن هذا هو الحب فما هو الحب؟! أنا أجلس أمام مكتبه كالقطة الجائعة. أرهف السمع عسى أن أسمع صوته، فيتلون يومى بكل ألوان قوس قزح. أنظر إليه خلسة علنى أحظى بنظرة فيغمرنى العبير. أو يمر ويلقى التحية وينادينى باسمى فأنسى كل شىء حتى عذاب الليلة الماضية. أنسى أن أرد تحيته. أنا الذى أبذل مجهودا مضنيا لأخفى مشاعرى عنه وعن الناس.
كنت دائما أشعر بالغربة. لا أشعر بأى انتماء لهذا الجيل.لا يعجبنى حديثهم ولا لغتهم ولا الأغانى التى يستمعون إليها. كنت دائما أشعر بالوحدة وسط أصدقائى الذين فى مثل عمرى. لا أحد يهتم بما أهتم، لا أحد يعبأ بالقمر الذى يكمل استدارته اليوم ولا العصافير التى تلهو على الشجر. لا أحد ينتظر الشروق معى. وحين أحدثهم عن اهتماماتى يسخرون منى. ولكن حين أتحدث معه أشعر بالأمان. أشعر بأنه يفهمنى.
د. أيمن. قل شيئاً ما. قل إننى مراهقة! أو أعانى مشكلة نفسية! ولكن أرجوك أخبرنى ماذا عن «نشوى»! لماذا لا يشعر بها؟