أيمن الجندى يكتب | سوء تفاهم
وصلتنى هذه القصة الشيقة من الدكتور شريف الرفاعى.
ينظر إلى ساعته بقلق. البنك أكثر ازدحاما من المعتاد. والأرقام تتغير ببطء شديد. يلمح السيدة التي شاهدها تعنف رجال الأمن أثناء دخوله. أعجبه دفاعها عن الشاب البسيط. طبعا لم يتدخل في المسألة. الدفاع عن الفقراء عمل الأغنياء وهو بالتأكيد ليس منهم. هو يهتم بأموره فقط، لا يريد أكثر من أن يضمن الستر لعائلته الصغيرة. أخيرا يظهر رقمه على الشاشة فيندفع إلى الشباك. يدس النقود في حقيبته ويسرع خارجا. عمله قريب ولا يحتاج أكثر من خمس دقائق إن أسرع الخطى. الحرارة شديدة ولكنه معتاد على ذلك. يمر خلف سيدة متوقفة أمام سيارتها. تلتفت فجأة وتدفعه في صدره. تيار كهربائى يخترق صدره فتتشنج عضلاته. ألم حارق يسرى في جسده كله ويلقيه على ظهره، الخدر يسرى في جسده فلا يقوى حراكا، عيناه مثبتتان على السماء الصافية، عقله لا يدرك ما حدث، يتساءل كم الساعة الآن؟
تن تن. أخرجتها دقة التنبيه من استغراقها. تنظر إلى لوحة الأرقام. دورها لم يحن بعد. تتذكر ما حدث منذ دقائق. وهى تقترب من باب البنك رأت أفراد الأمن يتشاجرون مع شاب بسيط الهيئة ويدفعونه بعيدا وسط اعتراضاته الواهية. رأت في عينيه انكسارا أثارها. نهرت أفراد الأمن متسائلة ماذا حدث. كغريق يتعلق بقشة اندفع الشاب يخبرها أنه لم يفعل أي شىء سوى التوقف قليلا تحت مدخل البنك اتقاء لحرارة الشمس. لمعت دموع في عينيه وهو يخرج لها بطاقته ليثبت لها أنه حاصل على بكالوريوس تجاره وليس لصا. غلى الدم في عروقها فانطلقت تجلد أفراد الأمن بلسانها بصوت مرتفع. قالت إنه شىء حقير أن يتم الحكم على الإنسان بسبب بساطة ملابسه، وأنه من الممكن أن يتحول أي منهم إلى باحث عن عمل مثله. اعتذروا على مضض وقال لها أكبرهم إن الأمن حالته متردية، وقد انتشرت عمليات سرقة مرتادى البنوك في الأيام الأخيرة، فينتظرهم اللصوص ويسرقونهم حال خروجهم من البنك. أمس فقط تم طعن سيدة مسنة بسكين وتم سرقه الأموال التي سحبتها، وقد أتتهم تعليمات صارمة بمنع أي مشتبه فيه من التواجد في محيط البنك. قالت له بإصرار إنهم يمكن أن يقوموا بعملهم دون إهانة الناس. يخبرها الجميع أنها تحسن الظن بالناس أكثر من اللازم. تن تن. رقمها يظهر على الشاشة فتتجه للشباك. سلمها كيس منتفخ من الفئات الصغيرة وضعته بصعوبة في حقيبتها. خرجت إلى الشارع متجهة إلى سيارتها. السير تحت حرارة الشمس ذكرها بتحذيرات رجل الأمن، تتلفت حولها في قلق. تلمح وجها مألوفا. أرأته في البنك أم خارجه؟ هل كان يتبعها؟ تحث السير في اتجاه السيارة. تقترب من الباب. تفتح الحقيبة باحثة عن المفتاح. تلتفت فتُفاجأ بصاحب الوجه المألوف يقترب مهرولا وعيناه تحدقان فيها بقسوة. تتذكر حكاية رجل الأمن عن السيدة المطعونة. يدها المرتعشة تصطدم بالصاعق الكهربائى أثناء بحثها عن مفتاح السيارة. تقبض عليه بشدة. تلتفت في اللحظة التي يحاذيها فيها وتدفع بالصاعق إلى صدره. يتقلص جسده للحظات قبل أن يهوى على الأرض كجدار منهار. تنظر إلى الجسد المنقبض للحظات. بأنفاس متلاحقة تفتح السيارة وتدير المفتاح، تتعمد ألا تنظر إلى الراقد بلا حراك وتنزلق إلى بحر الطريق.