مجموعة سعودي القانونية

أيمن الجندى يكتب | عائلة الآستاذ حسن

د.-أيمن-الجندى1

كان الأستاذ حسن يبرز الأوراق التى تؤكد ملكيته للبيت، ويقول لرواد المقهى: «أنا مش عايز لنفسى حاجة. كله عشان الأولاد». صحيح أن البيت واسع وقيمته المادية عالية، وصحيح أنه يطل على النيل وله قيمة تاريخية، لكنه لم يعترف لنفسه قط بأنه يهتم بالنقود. وكان رواد المقهى يحبونه وينصتون إليه فى اهتمام. خصوصا حينما يحدثهم عن فساد المغتصبين للبيت الذين حولوا الجراج إلى كباريه. وكان جلساؤه على المقهى يمصمصون شفاههم ويوافقونه الرأى. وعندما كان ينصرف كانوا يصفونه بأنه رجل طيب.

كان الأستاذ حسن يتمتع بصلابة غير عادية. ربما سببها نشأته الريفية التى جعلته لا يركن للين العيش ورغد الحياة. بل ظل يكافح فى إرادة صلبة كل العوائق التى تظهر أمامه، مبررا سعيه بشىء واحد «كله عشان الأولاد».

وحينما كان يعود لبيته فى آخر اليوم كان يصر على أن تجتمع الأسرة على مائدة العشاء ليتابع أحوالهم ويدلى بنصائحه. ولا يهتم إذا بدا الضجر منهم أو ظهر النفور. المهم أنه رجل صلب، مهتم بأسرته، يفعل المستحيل من أجل الأولاد.

وذات يوم، عاد الأستاذ حسن إلى عائلته، وأخبرهم وهو يكاد يطير من السعادة أنه أستطاع أخيرا الحصول على البيت. وذهبت العائلة بسرعة لدرجة أنهم لم يحضروا ثيابهم. وفى سيارة الأجرة سألته زوجته كيف تحققت المعجزة، فقال إن منافسه أصابه مرض مفاجئ فلم يذهب للمحكمة، فحكم القاضى بأحقيته فى ملكية البيت.

دخلت عائلة الأستاذ حسن البيت، فأذهلهم اتساعه وحسن بنائه، ومضى الأستاذ حسن بسرعة إلى غرفة المكتب ليعتلى المكتب العريق.

لكن بالنظر إلى موقع البيت وثمنه الباهظ لم يكن متوقعا أن يتركوه له بسلام. ومقابل الحجة التى اقتنع بها القاضى حجج أخرى يقتنع بها قضاة آخرون. وهناك أولاده الذين يضربهم الأولاد الآخرون. وهناك زوجته التى ضاقت بكثرة المشاكل، فنصحته أن يسترضى خصومه، لكن طبيعته الصلبة قالت إنه صاحب حق وبالتالى رفض كل الحلول.

وفى النهاية، استطاع الخصم أن يقتحم البيت. كان قويا ووسيما وعاطفيا عند اللزوم. المفاجأة حينما وجد الأستاذ حسن زوجته وأبناءه يرتمون فى أحضان خصمه. وهكذا وجد نفسه مطرودا خارج البيت، يسمع زغاريد زوجته وابتهاج أطفاله بأذنيه. ذهب بسرعة إلى بلدته الريفية وأحضر الأشداء من أقاربه يستعين بهم فى استرداد البيت، غير قادر على أن يصارحهم بأحوال زوجته وأبنائه ولذلك زعم أنهم مختطفون.

منذ ذلك الحين والأستاذ حسن يحاول استرداد البيت. ويتعرض كل يوم للضرب، ويقول مفسرا إن البيت غير مهم، ولكنه يفعل ذلك من أجل الأولاد. لكن الحقيقة التى لم يعترف بها لنفسه قط أنه يتوق لاعتلاء المكتب من جديد.

وكان الناس يشاهدونه زائغ النظرات، سيئ الهندام، مهملا لحلاقة ذقنه، فيشفقون عليه من مواجهة الحقيقة، وهى أن أولاده وزوجته لا يريدون عودته.

وظل الأمر على ما هو عليه، ضرب وبهدلة وركض وراء المستحيل. حتى جاء صاحب القهوة، وهو معلم بلدى وكله مروءة، وقال له: «لا تؤاخذنى يا أستاذ حسن فأنت تعلم أننى أحبك وأريد الخير لك. أنت تقول دائما: كله عشان الأولاد. فإذا كانت زوجتك قد ارتضت الحياة فى أحضان خصمك، وأولادك سعداء وغير مهتمين، فلماذا تعذب قلبك بهم، وتعرض نفسك للهلاك كل يوم؟ يا راجل شوف نفسك، وما تشغلش بالك بيهم. هم أحرار».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *