مجموعة سعودي القانونية

أيمن الجندى يكتب | علم الغد

د.-أيمن-الجندى1

لم يكن لديه ما يفعله. صفحته على الفيس بوك ليس بها جديد. والأخبار مقبضة لا تثير اهتمامه. والأسرة نائمة والتليفزيون معطل. فكر أن يشغل وقته بمحاولة ضبطه وإصلاح الخلل. بأصابع واثقة ضغط على زر تشغيل الريسفير. اختار البحث اليدوى للقنوات. وبدأ يحاول عشوائيا حتى وجد قناة لم يسبق له مشاهدتها. كان التشويش عاليا ولكنه راح يحاول ضبطها حتى عثر على أفضل صورة ممكنة. جلس على مقعد مريح وراح يتفرج. لم تمض لحظة إلا وأصابه الرعب.

شاهد نفسه فى التليفزيون وهو يعبر الشارع. وشاهد أيضا سيارة قادمة تسير بسرعة طائشة. ثم دهمته السيارة التى حاول سائقها الهرب، لكن التف حوله الناس. ومضى وقت طويل فى انتظار سيارة الإسعاف. لم يحاول أن يشاهد أكثر فقد كان ما شاهده يتجاوز قدرته على الاحتمال. أغلق التليفزيون وتوجه إلى السرير وهو يترنح، متمنيا أن يكون ما شاهده الليلة مجرد كابوس سوف يستيقظ منه فى الصباح.

لم تتصور البشرية، حتى فى أقصى أحلامها جموحا، أن الكون سوف يفض بكارة أسراره على هذا النحو العجيب. أن يتم اكتشاف أعظم خبايا الكون بطريقة الصدفة، حين يعبث رجل فى جهاز شائع الطراز. فيشاهد ما سيحدث له بالغد دون تفسير.

والذى حدث فى اليوم التالى أن الرجل حينما استيقظ وتذكر ما شاهده بالأمس، فإنه تصور أنه يحلم. وحتى حين هبط إلى الشارع ودهمته السيارة بالشكل الذى شاهده فى التليفزيون، فإنه تصور أن ما حدث كان شيئا خارقا للطبيعة، كالنبوءة والنذير.

ولكنه حين عاد إلى منزله ليتابع القناة التى اكتشفها بمحض الصدفة، تبين أنها تذيع الأحداث اليومية لرجل فى مثل عمره، يحمل نفس وجهه. مواقف لم تحدث بعد، ولكنها تحدث بحذافيرها فى اليوم التالى.

انفجر الخبر فى وكالات الأنباء. توجد قناة خفية يستطيع كل إنسان أن يضبطها بشكل يدوى، فيعرف علم الغد الخاص به!

انقلبت حياة الناس رأسا على عقب، وصار كل إنسان يبحث عن قناته الخاصة ليعرف ما سيحدث له بالغد! تدريجيا بدأت الحكومات تقاومه بعد أن صار الأمر أشبه بإدمان الهيروين.

احتار العلماء فى تفسير الأمر! حتى اقترح عالم إن الكون الشاسع العظيم يحتوى على ملايين العوالم المماثلة لعالمنا، بعضها يقع فى نطاق موازٍ لكوكبنا، ويعيش فيها إناس مثلنا فى كل شيء، يحملون وجوهنا وأسماءنا، ويمرون بنفس تجاربنا، فيما عدا أن زمن هذا العالم يسبق عالمنا بيوم واحد!

وانفجر على الفور سؤال آخر: بفرض أن هذا التصور صحيح، فهل معنى ذلك أننا بمشاهدة ما سيحدث لنا بالغد يمكننا أن نغيره، أو على الأقل نتجنب الحوادث السيئة. لكن تبين بالتجربة أن هذا مستحيل! مهما حاولنا فإن كل ما شاهدناه بالأمس يحدث بحذافيره. فما معنى ذلك؟ عادت التساؤلات القديمة عن القضاء والقدر! وهل نحن مخيرون أم مسيرون؟ هل ما نفعله لابد أن نفعله؟ ومن كل البدائل المطروحة أمامنا لم يكن بوسعنا سوى نفس الاختيار.

هل أفعالنا خاضعة لمعادلة رياضية عظمى تمثل ضمير الكون وحتمية أفعال البشر، التى كنا نظن أننا نختارها، والحقيقة أنها حتمية غير قابلة للتعديل. وهل نستطيع أن نصل لهذه المعادلة فنعلم ما كان ويكون!

آه من هذا الكون الممعن فى غموضه. أصبح لدينا «علم الغد» ولكننا مهما حاولنا تغييره فإننا لا نستطيع!

 

 

 

 

 

 

 

المصدر:المصرى اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *