مجموعة سعودي القانونية

أيمن الجندى يكتب | فتاوى الشيخ أبوزهرة

د.-أيمن-الجندى1

بداية العمل الفكرة. إن استقام العقل استقامت الجوارح. وما اُبتلى المسلمون فى عصرنا الحالى إلا بذهاب العلماء الفقهاء الربانيين. لذلك كنت فى منتهى السعادة حين علمت أن الدكتور «محمد عثمان شبير» قد أخذ على عاتقه جمع الآثار العلمية للإمام محمد أبو زهرة (١٨٩٨-١٩٧٤) المنشورة فى الصحف والمجلات القديمة قبل أن تندثر.

أثناء هذا البحث المبارك عثر الدكتور محمد عثمان شبير على كنز من الفتاوى التى تجمع بين الفقه النظرى المدون فى الكتب وبين الفقه العملى المطبق فى واقع الناس. أحس وقتها بما يشعر به أى إنسان وقع على كنز. فراج يجوب الأرض من مكتبة لمكتبة، ومن بلد إلى بلد حتى تمكن من جمع ١٢٥٥ فتوى جمعها فى كتاب باسم «فتاوى الإمام محمد أبوزهرة».

ولكى تعرف القيمة العلمية للإمام محمد أبو زهرة فعليك أن تعرف أنه جمع بين تفسير القرآن (زهرة التفاسير) وكتابه السيرة النبوية (خاتم النبيين) وكتب تراجم الأئمة الأعلام الثمانية (أبوحنيفة -مالك-الشافعي -ابن حنبل- ابن تيمية-ابن حزم-زيد بن على-جعفر الصادق). وهو بالتالى خبير بالفرق والمذاهب، هذا بالإضافة إلى مباحث الشريعة والقانون كونه أستاذ الشريعة فى كلية الحقوق فى عهدها الذهبى.

نحن إذاً أمام ثروة فقهية هائلة تجمعت فى عقل فقيه واحد يصدع بالحق ولا يخشى فى الله لومة لائم. لذلك كان طبيعيا ألا يحظى بالقبول من حكام عصره الذين حاولوا صرف الأنظار عنه بمنعه من الظهور بالراديو والتليفزيون. وللأسف نسيت مصر ابنها البار بعد وفاته. ولكن مما يشرح الصدر ويبهج القلب أن عاد الاهتمام بمؤلفاته فى الفترة الأخيرة.

نحن أمام فقيه واسع العلم بجميع الآراء الفقهية لكل المذاهب. صادق وشجاع فى بحثه العلمى. إنه لا يبحث المسألة ليصل إلى النتيجة نفسها التى وصل إليها من جاء قبله! بل يبحثها بصدق ليصل إلى رأى، ولا يبالى إن خالف الأئمة الأربعة. إنه مسلح بالعلم والصدق والشجاعة. ولا يعنيه إن كان ما وصل إليه يعجب الحكام أم لا. إنه يقول فقط ما يطمئن إليه قلبه. فالإمام الذى حرم فوائد البنوك هو نفسه صاحب الآراء المتسامحة. هو الذى أصر على أنه لا نسخ فى القرآن مطلقا، وبالتالى فجميع الآيات التى تناولت حرية العقيدة سارية!

بل يقرر أن آية «لا إكراه فى الدين» مبدأ غير قابل للنسخ! والإمام الذى يجل «ابن حنبل» هو نفسه الذى قرر أن أدلة المعتزلة فى خلق القرآن أقوى من أدلة «ابن حنبل»! ولم يمنعه حبه لابن تيمية أن يؤكد أن منهجه سوف يؤدى إلى التجسيم والتشبيه لا محالة. وعندما أفتى أنه لا رجم فى الإسلام، فإنه لم يذهب للإعلام محدثا ضجة، بل ذهب إلى مؤتمر العلماء ليبسط أدلته.

ولنا فى كتب الإمام ميراث ضخم من التسامح مع الشيعة إذا صدق ما يتوقعه المحللون أن الحرب القادمة ستكون مذهبية بين السنة والشيعة. ولكنه فى نقاشه العلمى سنى المذهب، ينصف المخالف دون أن يتنازل عن مذهبه. ويعرف كيف يفرق بين الخطأ والكفر!

فاعتبر «عصمة الأئمة» فى المذهب الجعفرى خطأ لا دليل عليه من الكتاب، ولكنه أبى بحزم أن يُكفرهم بسببها. والسبب أن ميزانه الفقهى دقيق كميزان الذهب. فقد علمتنا الأيام أن التعصب سببه الجهل وضيق الأفق، والتسامح قرين العلم والإحاطة بجميع المذاهب الفقهية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر:المصرى اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *