أيمن الجندى يكتب | قطاع الطريق
وصلنى من القارئ أدهم غالى هذه القصة المشوقة:
كانت خطوة سيئة للغاية…
أنا الذى تعودت ألا أخطو خطوة دون حسابات دقيقة، أخطأت خطأً فادحاً بالسفر فى هذا التوقيت.
الطريق شبه خالٍ، تمر على مخيلتى كل الأخبار التى قرأتها عن قطاع الطرق والمجرمين فلا أملك لنفسى إلا الدعاء، تباً لهذا الانفلات الأمنى. لماذا لا ينيرون هذا الطريق؟
حسناً، فلأعد تقييم الموقف، مازلت أحتفظ ببخاخة السائل الحارق التى أتيت بها من الخارج. كنت أمتلك صاعقاً كهربائياً أيضاً لكنه تلف بعد أول استخدام.. لو ظهر أمامى قطاع للطرق فلا مفر من المقاومة، لابد أن أعتصر دواسة الوقود بقدمى فأدهسهم كما الفئران، أدعو الله ألا أصل لهذه المرحلة.
بقيت أمامى نصف ساعة وأصل لوجهتى، هذه أخطر مرحلة فى الطريق. إذا وصلت سالماً بإذن الله لابد أن أشكو وزير الطرق والمواصلات، بل لابد أن أشكو الحكومة كلها.
مهلاً…
هل ما آراه أمامى يحدث بالفعل أم أننى أهلوس بفعل التوتر. أراهم أمامى يقفون متحفزين بعرض الطريق! يشيرون إليْ بتحفز لأتوقف، لن يسمحوا لى بالهروب.
لابد ألا أفقد أعصابى الآن، سأزيد الضغط على دواسة الوقود. أرى عناوين الصحف الصادرة غداً: «مهندس يدهس مجموعة من قطاع الطرق»، أو لا قدر الله سيكون العنوان الرئيسى «العثور على جثة مهندس مذبوحة وملقاة وسط الزراعات».
يا للمصيبة! لا أشعر بقدماى، لقد تخدرتا من المفاجأة!
المسافة بينى وبينهم أصبحت قصيرة للغاية، سرعة السيارة تتباطأ، عقلى يعمل بأقصى سرعة لكن جسدى توقف تماماً عن العمل…
الآن أراهم بوضوح، ملابسهم رثة ووجوههم مغبرة، مظهرهم مظهر مجرمين عتاة فى الإجرام… أحدهم يحمل فى يده زجاجة مولوتوف، هل يستخدمون المولوتوف هذه الأيام لإيقاف السيارات؟ زجاجة بهذا الحجم قادرة على أن تشطر سيارتى إلى نصفين.
حسناً، يبدو أنه لا مفر من المواجهة، يدى تقبض على بخاخة السائل الحارق، قاطع الطريق يقترب من نافذتى وعلى شفتيه ابتسامة النصر، فلتبتسم كما تشاء أيها الوغد، من يضحك أخيراً يضحك كثيراً…
زميله الآخر يقترب من السيارة من الجانب الآخر وفى يده شىء أسود اللون، ربما تكون قطعة من الحجارة.
أفتح زجاج سيارتى ببطء، الآن هى اللحظة المناسبة، بحركة سريعة رفعت يدى بالبخاخة لأطلقها فى وجهه. يا للمأساة! سقطت البخاخة من يدى فى دواسة السيارة! يالى من أحمق! لقد انتهى أمرى!
لكن مهلاً…هذه ليست زجاجة مولوتوف.. ماذا يريد هذا الرجل منى بالضبط؟
مال الرجل على النافذة قائلاً «اتفضل يا فندم، المغرب أذن من 5 دقايق»، أخذ الرجل يدى المرفوعة برفق، تلك اليد التى كان يفترض أن تمطره بالسائل الحارق، ووضع فيها زجاجة مياه باردة.
نظرت للرجل نظرة فارغة دون فهم، ثم أدرت وجهى لزميله على الناحية الأخرى، لم أجده واقفاً، بل وجدت كيساً أسود اللون ملقى على الكرسى بجانبى، فتحته فوجدت فيه 5 تمرات…
عدت لأنظر من نافذتى لأشكر الرجل فلم أره.. نظرت فى المرآة فوجدته يكرر الكرة مع سيارة أخرى أتت خلفى…
غمرنى إحساس رطيب بالسعادة، مختلط بسخرية لاذعة من حماقتى وسوء تقديرى.