بعد عقد القران حمل البلطجى رياض بالكرسى المربوط عليه، مكمما بالمنديل الأبيض، مسلسلا بالجنازير من قدميه ويديه، مُغمى العينين ببلاستر طبى. روضة رقيقة القلب ولا يمكن أن تغطى عينى رياض إلا ببلاستر مُعقم.
لم تكن روضة تعلم أن هذا البلطجى من النوع رقيق القلب وتسبقه دموعه. لو كانت تعلم لما أعطته الإشارة ليحمله وراءها إلى عش الزوجية السعيد.
جرت روضة وبسرعة أعدت كل شىء. شموع حمراء وأضواء خافتة وموسيقى حالمة وستائر مسدلة وساندويتشات جبنة، باختصار كل ما يروق رياض. لكن روضة حينما دلفت إلى غرفة النوم فوجئت بأن البلطجى لم ينصرف. والمفاجأة أن هذا البلطجى رقيق القلب قد أحب رياض جدا. إنه لم يحظ من قبل بمشاعر إنسانية فى حياته السابقة الحافلة بالجريمة. ومن ثم فقد رق قلبه لاستسلام رياض فراح يبكى وينوح ويعتذر له على ما فعله به. فوجئت روضة بالأمر وحاولت مرارا أن تهدئ من روع البلطجى وتصرفه بالحسنى، لكن البلطجى كان فى حالة انهيار عاطفى تام. وراح ينوح بصوت مرتفع ويقول إنه أخوه وحبيبه. ثم فجأة التقط ساندويتش الجبن الذى أعدته روضة لرياض كنوع من الترضية وراح يزدرد الطعام بسرعة، ثم ينوح، ووسط النواح زغر فى روضة طالبا منها كوبا من الشاى، لأنه ينوى أن يسهر على راحة صديقه وأخيه رياض الذى راح يرمقهما فى ذعر.
مضت روضة تعد الشاى فى غل وتفكر كيف تتخلص من تلك المصيبة الثقيلة التى سقطت على رأسها فى ليلة العمر. سوف تسكب الشاى الساخن على رأسه. راحت تبصق فى غل. أيها البجم إنها ليلة زفافنا. انصرف أيها الملعون.
ولكن روضة كانت تخشى أيضا عواقب غضبة ذلك الجبل الآدمى لو سكبت على رأسه الشاى الساخن. كلا.. يجب أن ترشوه.
ذهبت مسرعة إلى البلطجى ومعها عشرة دينارات تونسية هى آخر ما تبقى لها من حطام العمر، ولكنه صاح صيحة هائلة كأنه يوسف وهبى فى زمانه قائلا إن المال لا يجلب السعادة والمهم الأخلاق.
انصرفت روضة وهى تغلى.. حسنا لم يبق إلا حيل النساء. حسنا أيها الجبل الآدمى العاطفى سوف تعرف الآن ما يستطع الملاك الرقيق أن يفعله. الملاك الأخضر العينين ذات المقاس 34.
وبنظرة شريرة ماكرة وابتسامة صفراء مرعبة أحضرت روضة أقراص المنوم ووضعتها فى الشاى الذى حرصت أن تضيف له أكبر كمية ممكنة من السكر لكيلا يلاحظ هذا البلطجى مرارة الأقراص. وفى مكر أنثوى ودهاء المرأة العريق حملت روضة كوب الشاى، ومضت به للبلطجى الذى تناوله وهو يجهش بالبكاء الذى لم يمنعه من طلب ساندويتش آخر.
مضت روضه لتعد له ساندويتش من السم. وفجأة سمعت صوت ارتطام جسم ثقيل بالأرض فمضت فرحة مهرولة وهى تتوقع أن ترى البلطجى ممدا على الأرض نائما لمدة يوم كامل. سوف تمضى لتفك أغلال رياض و…أخيرا يا رياض.. سأنفرد بك يا حبيبى…
لكنها فوجئت بالمشهد التالى: رياض ممد على الأرض والبلطجى ينظر إليه فى رعب مدلى الفكين مُتسع العينين. وهو يقول إنه لم يفعل شيئا سوى أنه آثر حبيبه رياض بكوب الشاى.
روضة جن جنونها فقفزت عليه لتخنق عنق البلطجى المذهول وهى تصرخ كسرينة الإسعاف فأُصيب البلطجى بالرعب وفر هاربا وهو يولول.
وعلى هذا النحو انقضت ليلة العمر.. روضة تبكى فى قهر ورياض يشخر فى سعادة وسرور.