أيمن الجندى يكتب | معضلة العدالة
وهذا فيلم آخر عن معضلة العدالة. «إيريكا» الفتاة الرقيقة الواقعة بالكامل فى حب خطيبها، وتغزل بالدانتيلا تفاصيل حياتها القادمة، ويتجادلان حول ترتيبات حفل الزفاف. مجرد نزهة مسائية حالمة فى حديقة عامة، وتحملهما الأقدار إلى ركن منعزل، ليهاجمهما ثلة من الأوغاد السايكوباثيين بالفطرة، أعداء المجتمع، الذين يوسعونهما ضرباً، ضرباً ليس هدفه الاعتداء أو حتى الإيذاء، وإنما هو الضرب حتى الموت، بقلوب قاسية وعقول مضطربة أفسدها الإدمان.
مات حبيبها، وظلت هى بين الحياة والموت ثلاثة أسابيع. حينما استعادت وعيها لم تستوعب فكرة أنهم دفنوه فى غير حضورها. بدا لها ذلك قاسياً بشكل لا يُوصف. وعندما عادت إلى البيت كانت قد تغيرت للأبد. التجربة القاسية التى لا يعود الإنسان بعدها كما كان. غيرت تضاريس روحها ونظرة عينيها وطبعتها بمرارة مزمنة. ولم يبق لديها إلا الأمل فى الشرطة أن تحقق العدالة بالقبض على الجناة.
لكنها حين ذهبت إلى الشرطة لتتساءل عن مجرى القضية تلقوها بشكل آلى، مثلما تُخاطب أى امرأة جريحة. انتفضت على الفور وغادرت المكان. كانت تريد معاملة خصوصية، تعاطفاً يليق بحجم الكارثة التى أودت بحبيبها وهدمت أركان عالمها، وليس مجرد كلمات مهذبة ترددها أسطوانة بشرية. ولم يكن ذلك عدلاً منها، فإذا كانت مشكلتها تمثل لها كل العالم، فهى لا تعدو جزءاً صغيراً جداً من مسؤوليات الشرطة.
ومن قسم الشرطة مباشرة إلى العالم السفلى للمدينة لتشترى مسدساً. لم تكن تنوى لحظتها استخدامه. لم يكن أكثر من وسيلة لحماية نفسها عند أى اعتداء مماثل. لولا أن الصدفة جعلتها شاهداً على جريمة قتل فى متجر خال. وحينما أحس القاتل بوجودها حاول أن يقتلها، لحظتها اضطرت لاستخدام المسدس. طاش كثير من الرصاص قبل أن تصيبه، هذه كانت ملاحظة الشرطة. هذا قاتل يستخدم السلاح أول مرة.
ولكن كأنما الأقدار اختارتها. وكأن كل مجرمى العالم يظهرون لها. حين تحرش بها بلطجيان فى قطار الأنفاق الخاوى، فإنها هذه المرة لم تخطئهما.
هبطت من القطار وهى تفكر، كان بوسعها أن تُظهر مسدسها وحينئذ سيبتعدان. فهل أحبت القتل؟ ولماذا لم ترتعد يدها وهى تقتلهما؟
إنه شعور مدهش صاعق أن تكتشف وجود شخص غريب داخلك. شخص له ذراعاك وساقاك وعيناك. هى فى الحقيقة لم تستعد نفسها، وإنما أصبحت امرأة جديدة! امرأة تحمل ضغينة! امرأة قادرة على القتل. أصبحت تسير فى الشوارع الآن، تقتل المجرمين بلا تردد.
على كل معتادى الإجرام أن يلزموا الحذر. المجرمون والمتحرشون وأبناء الليل سوف يلقون جزاءهم على الفور. ستنظف المجتمع من الأوغاد السفلة.
وفجأة حدث الزلزال المرعب. تعرفت الشرطة على الجناة قاتلى حبيبها. المذهل أنها أنكرت معرفتهم، والسبب الرهيب أنها أرادت أن تنتقم بنفسها. تسللت إليهم بعد أن عرفت عنوانهم ومزقتهم تمزيقاً.
لكن أحداً لا يستطيع أن يستلب سلطة الخالق ويوزع الموت ثم يفلت بما اقترف. هذه معضلة قديمة. وضحاياها، الذين هم قتلة أصلاً، صاروا يطاردونها فى المنام واليقظة. شىء ما ألقى فى روعها أنها لا تستطيع اجتياز هذا الخط ثم تعود بعدها أبداً! والقتل يترك ثغرة فى روح القاتل لا تستطيع السكينة أن تملأها. لقد تغيرت واليوم تشعر بالحنين إلى شخصيتها القديمة.
فيلم (The Brave One) لجودى فوستر، فيلم يستحق أن تشاهده، لما يثيره لديك من تأملات كثيرة.