مجموعة سعودي القانونية

إبراهيم سعودي يكتب: الحكم الغيابي لا يجيز القبض على المتهم

«لا تنفذ الأحكام الصادرة من المحاكم الجنائية إلا متى صارت نهائية ما لم يكن في القانون نص على خلاف ذلك»، المادة 460 إجراءات جنائية.

ربما يكون من بين أهم المخالفات الأمنية التي التي جرى عليها العمل عبر عقود بغير أن يلتفت رجال القانون الى ما فيها من مخالفة جسيمة لقانون الاجراءات الجنائية والدستور ، ما يجري من قبض على المتهمين بموجب الأحكام الغيابية التي لم يجر إعلانها الى المتهم بالمخالفة الصريحة لنص المادة 460 سالفة البيان والتي اشترطت لتنفيذ الحكم الجنائي واعمال آثاره بالغة الجسامة صيرورته نهائياً .

والمقصود من كون الحكم نهائياً هو ألا يكون قابلاً للمعارضة أو الاستئناف ولو كان قابلاً للطعن بالنقض ما لم تتوافر حالة من حالات النفاذ المعجل الواردة في المادة 463 من قانون الاجراءات الجنائية على نحو ما انتهت اليه الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض في حكمها الصادر بجلسة  9/ 12/2012 في الطعن رقم رقم 14203 لسنة 74 ق.

فالأحكام التي يجوز تنفيذها هى الأحكام الحضورية والأحكام الصادرة في المعارضة وكذا  الأحكام الغيابية التى انقضى ميعاد المعارضة فيها بعد إعلانها إلى المتهم، أو قضى باعتبار المعارضة فيها كأن لم تكن، فالحكم الغيابي الذي لم يعلن الى المتهم يظل ميعاد المعارضة فيه مفتوحاً ومن ثم فلا يجوز تنفيذه مع مراعاة أن الإعلان الى جهة الادارة لا يعتد به في فتح مواعيد الطعن فيظل الحكم غير قابل للتنفيذ حتى ولو اعلن الى المتهم مخاطبا مع جهة الادارة لصراحة نص المادة 398 إجراءات جنائية التي قررت أنه  :

«تقبل المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية ؛

وذلك من المتهم أو من المسئول عن الحقوق المدنية في خلال العشرة الأيام التالية لإعلانه بالحكم الغيابي خلاف ميعاد المسافة القانونية ؛ ويجوز أن يكون هذا الإعلان بملخص على نموذج يصدر به قرار من وزيرالعدل ؛ وفي جميع الأحوال لا يعتد بالإعلان لجهة الإدارة».

ومن ثم فالحكم الذي لا تزال مواعيد المعارضة فيه مفتوحة ولم تبدأ لعدم اعلانه أو لاعلانه بالمخاطبة مع جهة الادارة  أو الحكم الذى رفعت عنه معارضة لم يفصل فيها بعد فإنه لا يكون قابلاً للتنفيذ ، وقد نصت المادة 467 من هذا القانون في فقرتها الأولى على أنه «يجوز تنفيذ الحكم الغيابى بالعقوبة إذا لم يعارض فيه المحكوم عليه في الميعاد المبين بالفقرة الأولى من المادة 398».

وأكدت الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض في حكمها سالف الإشارة إليه على عدم جواز تنفيذ الحكم الغيابي بالعقوبة إذا كان ميعاد المعارضة لم يبدأ أو لم ينقض بعد وعدم جواز تنفيذه كذلك إذا طعن فيه بالمعارضة ويظل تنفيذه موقوفاً حتى يفصل في المعارضة وقد حصر الشارع تنفيذ الحكم الغيابى بالعقوبة في حالة ما إذا إنقضى ميعاد الطعن فيه بالمعارضة بعد إعلانه دون أن يطعن فيه (مع مراعاة عدم الاعتداد بالإعلان الإداري) .

وأكدت الهيئة العامة في حكمها أيضًا على أن عدم جواز تنفيذ الحكم الغيابي هو الأصل وأن الاستثناء على ذلك يرد بنص المادة 468 من قانون الإجراءات الجنائية التي نصت في فقرتها الأولى على أن «للمحكمة عند الحكم غيابياً بالحبس مدة شهر فأكثر إذا لم يكن للمتهم محل إقامة معين بمصر أو إذا كان صادراً ضده أمر بالحبس الاحتياطى أن تأمر بناءً على طلب النيابة العامة بالقبض عليه وحبسه».

وبذلك فقد أدخل الشارع استثناء على الأصل القاضى بعدم جواز تنفيذ الحكم الغيابى أثناء ميعاد المعارضة وأثناء نظرها ، فأجاز تنفيذه خلال ذلك في حالتين إذا لم يكن للمتهم محل إقامة معين بمصر أو كان صادراً ضده أمر بالحبس الاحتياطى وقد اشترطت لذلك شرطين الأول أن يكون الحكم صادراً بالحبس مدة شهر أو أكثر والثانى أن تأمر المحكمة بالتنفيذ بناءً على طلب النيابة العامة.

ويعنى ذلك أن ينفذ الحكم الغيابى في كل من الحالتين بمجرد صدوره ولو كان ميعاد المعارضة لم ينقض بعد أو أنها لم تزل مطروحة على المحكمة المختصة بها وعلة الاستثناء ترجيح الشارع احتمال تأييد الحكم بالإضافة إلى أن وقف تنفيذه – وفقاً للأصل العام – قد يجعل من المستحيل تنفيذه إذا أُيد في المعارضة لعدم وجود محل إقامة للمتهم في مصر أو لخطورته التى ينبئ عنها الأمر بحبسه احتياطياً فقرر الشارع بناءً على ذلك تنفيذه مؤقتاً .

وقد أقرت  الهيئة العامة للمواد الجنائية هذا المبدأ بعد أن كانت الأحكام الأولى الصادرة من بعض الدوائر الجنائية قد خالفت هذا النظر وأجازت القبض على المتهم بموجب الحكم الغيابى ولو كان غير قابل للتنفيذ فقررت الهيئة العدول عن هذه الأحكام بالأغلبية المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية .

وعلى الرغم من مضي ما يقرب من اربع سنوات على صدور هذا الحكم من أرفع هيئة قضائية في مصر إلا أن الأحكام الغيابية لا زال يجري تنفيذها بأساليب تتنافى مع القانون واحترام أحكام القضاء بفهم أمني سقيم متوارث لا تتحمل مسئوليته أجهزة الأمن وحدها بل تتحمل معه المسئولية مؤسسات المجتمع المدني العاملة في حقل العدالة الصامتة على ذلك وعلى رأسها نقابة المحامين وكافة المنظمات الحقوقية .

 

2 Responses

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *