إبراهيم عبد العزيز سعودي يكتب :
كيف تنتخب الدنيا وكيف ينتخب المحامون؟؟!!
في كل العالم المتحضر حين يكون هناك انتخابات يجلس المسئولون عنها لوضع القواعد الحاكمة للعملية الانتخابية ليبحثوا عن اجابة للسؤال ، كيف نعمل على ادارة انتخابات تصل بنا الى نتائج تعبر عن الارادة الحقيقية للناخبين ؟
وفي نقابة المحامين يجلس المسئولون عن الانتخابات ليبحثوا عن اجابة للسؤال كيف نعمل على ادارة الانتخابات حتى تصل بنا الى النتائج التي نريدها مقدماً ؟!!!
والسبب في ذلك أن العالم المتحضر يدرك أن النزاهة في الانتخابات لا تتحقق فقط في المرحلة الأخيرة المتعلقة بعدم التلاعب بنتائجها يوم التصويت ، لكن العملية الادارية والفنية والرقابية السابقة على يوم التصويت والتي تبدأ من فتح باب الترشيح يمكن ان تؤثر في نزاهة الانتخابات وتبلغ بهذا التأثير مبلغ يفوق ما يبلغه التلاعب أو التزوير يوم التصويت ، ولهذا فإن البحث عن الطريقة الفنية والادارية والرقابية المثلى التي تستخدم في مرحلة الاعداد للانتخابات كاعداد كشوف الناخبين ، و قوائم المرشحين ومنح الأرقام لهم وتنظيم اجراءات وطرق الطعن عليها ، وإعداد وطباعة بطاقات الاقتراع وتحديد طريقة والية التصويت والية التعرف على شخصية الناخب ، وتنظيم الدعايا ووضع قواعد لها تضمن تكافؤ الفرص بين المرشحين في عرض أنفسهم على الناخبين ووضع ضوابط الدعاية ومدتها ، وتخصيص حساب بنكي للانفاق منه عليها ووضع سقف لهذا الانفاق ، وحدود تلقي التبرعات ، وبالجملة ضبط حسابات الدعاية الانتخابية ، وتنظيم استخدام وسائل الإعلام حتى تلتزم الحيدة الواجبة بين المرشحين ، وأن تكون هناك مواجهة للدعايا السوداء لمن يقوم بنشر الأكاذيب والشائعات عن الخصوم والرقابة على استطلاعات الرأي الوهمية التي تؤثر في ارادة الناخب ، وحظر استغلال صلاحيات أصحاب المناصب المؤثرة في التدخل في العملية الانتخابية ، ووضع جزاء رادع لمن يخالف هذه القواعد ، وفي النهاية فلا قيمة لكل ذلك ما لم يهيمن ويشرف على ادارة العملية جهة رقابية محايدة تمتلك سلطة توقيع الجزاء المحدد على من يخالف .
وإذا ما تمت المقارنة في كل ذلك بما يحدث في كل العالم وما يحدث في الانتخابات عندنا نجد أننا نقف على طرف النقيض من كل هذه المبادئ والقواعد ، ولا يوجد مثال على هذا النقيض أكثر فجاجة ووضوحاً وصراحة (بلغت حد البجاحة) من انتخابات نقابة المحامين ؛ فمن حيث الاشراف على ادارة العملية الانتخابية يستغل النقيب المنتهية ولايته وأعضاء المجلس لمناصبهم في السيطرة على كل شئ فيسندون لأنفسهم والموظفين التابعين لهم الإشراف على ادارة العملية الانتخابية تحت ذريعة أن قانون المحاماة لا يمنع ذلك وأنه خلا من نص على الاشراف القضائي ، وكأن القانون يجب أن يتحدث عن بديهيات ، وكأنه لا يوجد شئ اسمه الدستور أو العرف أو مبادئ العدالة والقانون الطبيعي تلي القانون في ترتيب المصادر القانونية ، فيمتنعون عن اعداد كشوف صحيحة ومنضبطة للجمعية العمومية وفق صحيح القانون وأحكام القضاء لتكون بين أيدي المرشحين والناخبين ، ويمتنعون عن تطبيق قواعد عادلة في منح الأرقام للناخبين فيتم استخدام قواعد متباينة في ذات الانتخابات حيث يتم ترتيب أرقام المرشحين في بطاقات التصويت لعضوية المجلس والنقيب وفق اسبقية التقدم حتى يتم تمكين الاستاذ النقيب المنتهية ولايته قانونا وتابعيه من الحصول على الأرقام الأولى في الكشوف بعد أن يمنعوا غيرهم من المرشحين في اليوم الأول من تقديم أوراقهم مبكراً ، ولا يسمحون بالقيد في الدفتر الا بعد منهم ، كما يتلاعبون في طباعة بطاقات الانتخاب عددا وكيفا وتوزيعا ووصولا الى اللجان في مواعيدها وفق الكثافة التصويتية التي يتوقعونها لأنفسهم .
ومن حيث الدعايا يهيمن النقيب المنتهية ولايته ورفاقه بلافتاتهم وصورهم على كل الأماكن فيستحوذون على نحو تسعين بالمائة منها (يخخص نصفها للمنتهية ولايته وحده) وعلى غرف المحامين عن طريق العاملين بهذه الغرف ، وتسير الدعايا بلا قواعد ولا ضوابط ولا سقف للانفاق ، فنرى المال النقابي والمؤتمرات والولائم والرشاوى النقابية وتوزيع الهدايا والأجندات المطبوعة من أموال النقابة ، ومن تكسبوا وتربحوا أثناء وبسبب مناصبهم النقابية ينفقون بلا حساب ولا سقف ، ويسيطر البعض باتصالاتهم وعلاقاتهم التي اكتسبوها بحكم مناصبهم على غالبية وسائل الاعلام فلا تلتزم الحيدة بينهم وبين باقي المرشحين عند تناولهم لانتخابات نقابة المحامين ، ولا تكون هناك مواجهة للدعايا السوداء فتسيطر الأكاذيب والشائعات والسخرية المشوهة للخصوم بتوظيف محامين سعداء أنهم متخصصون في ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي ، وتنتشر استطلاعات الرأي الكاذبة والوهمية والمفبركة التي تؤثر في ارادة الناخبين ، ولم يكن من الممكن بل صار من المستحيل مواجهة كل ذلك بجزاء رادع بعد أن أصبح رب البيت هو أول الضاربين عليه .
هذا فيما يسبق عملية التصويت … فماذا يفعل العالم المتحضر في يوم التصويت ؟ وماذا فعلنا ونفعل ؟ هذا موضوع المقال القادم .