الأصول كانت تقتضى أن يهبط الملك عبد الله بن عبد العزيز، خادم الحرمين، من الطائرة ويجتمع مع الرئيس السيسى فى قاعة الرئاسة بمطار القاهرة أول من أمس.
هذه هى القواعد التى تفرضها مثل هذه الزيارات، ولا أظنها لائقة أبدًا أن يصعد رئيس مصر إلى ضيف على طائرة، مهما كانت أهمية الزائر والزيارة.
لكن الملك عبد الله استثناء واضح ومفهوم، فالحالة الصحيّة للملك لا تسمح له بهذه المشقة، فكان طبيعيًّا أن يتم التجاوز عن الأعراف وأن تتجاهل الرئاسة القواعد والأصول الدبلوماسية، وأن نغفر لها، نحن، هذا التنازل، فهو فى محله وأصاب أهله.
عندما صعد الرئيس السيسى سُلَّم الطائرة لاستقبال الملك عبد الله كنت أعرف أنه لقاء فيه من السياسة ما فيه من العاطفة، فالمشهد كله تعبير عن كيمياء خاصة بين الرئيس والملك، لعل أكثر أدلتى عليها كان يوم إجراء الحوار التليفزيونى الأول مع الرئيس السيسى، حين كان مرشحًا، عندما أجاب عن زيارته الأولى خارج مصر فقال فورًا وبمنتهى التلقائية والسرعة إنها ستكون للسعودية. ها هو الملك عبد الله يبادر بالاستجابة، فيكون هو الضيف، بل الضيف والمستضيف.
تيقنت تمامًا أن السيسى يملك مشاعر ود وعاطفة حقيقية تجاه الملك عبد الله، حين وصف السيسى فى حواره ملكَ السعودية بأنه كبير العرب، شعرت ساعتها بكدمة سياسية، هى ثقيلة جدًّا على مصر، قائدة العرب وقلعة العروبة. وكبيرة جدًّا أن يصف رئيس مصر حاكم دولة عربية بأنه كبير العرب، أيًّا كان الحاكم وأيًّا كانت دولته. فى أثناء الاستراحة الأولى فى تسجيل الحوار بادرت يومها بإعلان رأيى للرئيس السيسى، وقلت له بوضوح إننى أرى هذا التعبير صعبًا، وإن وصف الملك بأنه حكيم العرب يكفى جدًّا، تأمل الرئيس كلامى وابتسم مطرقًا برأسه وزدت أنا فى الشرح والرأى، واقترحت حذف التعبير من الحوار، لم يُجِب ولم يستجِب الرئيس بغير الابتسامة والاستفسار. عقب انتهاء الحوار وفى عشاء دعانا إليه الرئيس كررت ملحًّا تحفظى، وأكدت رأيى مستفيضًا وأضفتُ أن دور الملك السعودى عقب «٣٠ يونيو» كان رائعًا ومهمًّا، بل ولا يقل عن موقف الملك فيصل الداعم لمصر فى حرب أكتوبر العظيمة عام ١٩٧٣، بل لعله أكثر أهمية وتاريخية، ولكننا أيضًا بما فعلناه فى «٣٠ يونيو» وما بعدها أنقذنا البلاد العربية وممالك الجزيرة من الإخوان ومؤامرة كادت -لو نجحت- تسقِط دولاً وتُنهِى عروشًا، فأجاب وقتها الرئيس بهدوء بسؤال عن معلوماتى عن الدعم السعودى لمصر بعد يونيو فأجبت بالسياسة وبالأرقام، فعلّق الرئيس بجملة مخلِصة وملخصة: أكتر من كده بكتير.
قبل انصرافنا وقفتُ مع الرئيس ومساعديه وعُدت فألححت بحذف هذه الجملة والاكتفاء بغيرها، مما شرح منزلة الملك فى قلب الرئيس.
أُذيع الحوار وليس فيه أى حذف فى أى سؤال ولا أى إجابة.