ستعرف هدفى عندما أخبرك أن الطلبة هم الذين فجّروا ثورة ١٩١٩ التى شهدت مظاهرات سلمية للطلبة فى 9 مارس، وكان طلاب مدرسة الحقوق أول المضربين، وانضم إليهم طلاب مدارس الزراعة والمهندسخانة وخرجوا إلى الشوارع متجهين إلى مدرسة الطب بقصر العينى، ثم اتجه الجميع إلى مدرسة التجارة العليا بالمبتديان، ثم انضم إليهم بعد ذلك طلبة مدرسة التجارة المتوسطة، فـ«دار العلوم» ثم مدرسة القضاء الشرعى فالمدرسة الإلهامية الثانوية، واتسع نطاق المظاهرات بانضمام الأهالى إليهم وبدأ الصدام مع البوليس، فألقى القبض على ما يقرب من 300 طالب، وفى اليوم التالى انضم طلاب الأزهر والمدارس الأخرى إلى المتظاهرين، وفى هذا اليوم سقط أول شهيد وأول جريح.. واستمرت المظاهرات والإضرابات وسقوط الشهداء والجرحى، وأضرب المحامون فى 11 مارس، ثم عمال العنابر فى 15 مارس، ومعهم أضرب المحامون الشرعيون، ثم مظاهرة السيدات فى 16 مارس، وأمام هذا السيل الجارف من المظاهرات أنشأت القيادة البريطانية محكمة عسكرية لمحاكمة مَن يُقبَض عليهم.
الغريب هنا أن أحدًا لم يقل إنها ثورة شباب، رغم أن المؤكد أنهم أول من بدؤوا، ثم صارت ثورة شعبية حقيقية حين انضمت كل قطاعات الشعب إليها. أعتمد هنا على أوراق ندوة «تسعين عامًا على ثورة ١٩» المنشورة بإشراف الدكتور زكريا الشلق.
ومع ذلك فقد كبرت فى دماغ بعض الشباب أيامها أيضا، حتى إن سعد زغلول كان قد قرر القطيعة معهم، بل وأصدر تعليماته إلى قيادة «الوفد» بالقاهرة بمواجهتهم. وفى رسالة إلى قائد الثورة الميدانى عبد الرحمن فهمى يقول فيها «إن مثل هذه التصرفات لا تتفق مع وحدة العمل ووحدة الوجهة، فإنهم مهما كان شعورهم عظيمًا فإنهم يقعون فى الأغلاط كثيرًا، ولا يؤمَن لهم من غير إشراف (الوفد)، ولذلك يكون الأوْلى أن لا تهتم بهم الصحف (التى هى فضائيات وفيس أيامها)».
ويستجيب عبد الرحمن فهمى ويكتب لسعد زغلول «سبق أن لاحظنا ما لاحظتموه وألزمنا صاحب الجريدة بالكف عن نشر مقالاتهم».
الأهم هو ما جرى حين اعترض واحتجّ ممثل الطلاب عصام الدين حفنى ناصف على سعد زغلول ومواقفه وتصرفاته غير الثورية، والتى لا تتفق مع طموحات وأهداف الشباب لدرجة أن صرخ وقال لسعد زغلول صائحًا بأعلى صوت: نحن نسحب منك الثقة، فامتعض سعد قائلا: «أنا أمثِّل الأمة وليس حفنة من الطلبة».
هى دى الخلاصة، وهذه هى الزعامة، لأنه كان قائدًا فعرف أنه مسؤول أمام شعب وليس فئة منه، وأنه يمثل أمة لا مجموعة من الشباب، مهما كانت وطنيتها. بل لقد وقف أمام نشر أفكار بعضهم التى كانت تضرب فى وحدة الثورة وقوتها، وأمر بعدم اهتمام وسائل الإعلام برسائلهم.
هذا درس سعد زغلول لنا، ساعة الجد يكون الرد: إنها أمة وليست حفنة من الطلبة.