درجة مُذهِلة من الابتزاز يتعرض لها المفكرون والكُتَّاب اليساريون فى مصر من شباب الغبرة ومحتكرى الحالة الثورية ومحتقرى الحالة الشعبية الذين يخوضون حربًا من البذاءات والحقارات والاتهامات الوضيعة ضد المختلفين عن مراهقتهم وطفولتهم السياسية، لدرجة أن البعض يخشى أن يعلن تأييده الواضح والصريح للدستور خوفا من ألسنةٍ حِدَاد تلاحقهم على الفضاء الإلكترونى الذى يهتمّ به العواجيز جدًّا لمحاولة التقرُّب من العصر وللإحساس الزائف بحجم تأثيره. لقد تَحوَّل الفيس وتويتر إلى وعاء لنميمة المقاهى وتطاوُل البارات وعدوانية الشوارع، ويمارس فيه الصبية والمتصابون أكبر قدر ممكن من وساخات الماضى الجميل حيث ثلة اليساريين الذين ينهشون فى لحم رفاقهم ويقذف بعضهم بعضًا بالتهم، عن اللى باع واللى خان واللى الهوى رماه!
واحد من نبلاء اليسار المصرى لم ينشغل بالابتزاز، بل كتب تحت عنوان «سأصوِّت بنعم للدستور للأسباب التالية» كلاما مهمًّا ومهمومًا على صفحته على «فيسبوك»، لكن الأهم هنا هو ملاحظته التى أرفقها بموقفه المؤيد للدستور، كتب «ملاحظة أخيرة: كالعادة أرحِّب بالاختلاف والنقد، أما الإساءة وقلة الأدب فليس عندى غير unfriend وblock».
إلى هذه الدرجة يعرف الكاتب اليسارى أنه سيتعرض لإساءة وقلة أدب، ولكن ممن؟ من رفاقه على صفحته! خصوصًا وهو يختم رأيه قبل تلك الملاحظة بهذه الجملة حرفيًّا «لأننى لا أحتكم إلا لعقلى، ولا أخضع (ولو بحكم السن) لابتزاز من أى من كان، حتى لو من أعز الرفقاء والأصدقاء هنا فى مصر، فما بالك بأولئك فى لندن وباريس ونيويورك».
ما الذى دفع هذا الكاتب اليسارى الكبير والمرموق (لن أنشر اسمه فأنا لم أستأذنه للكتابة عنه) إلى هذه الملاحظات والتحسبات والتحذيرات، إلا إذا كان يعرف مدى سفالة الابتزاز الذى يمارسه بعض اليسار المختلّ الشريك المتعاون مع الإرهابيين تحت دعاوى مواجهة العسكر؟ هذا اليسار الذى يعمل معظمه فى دول غربية (لندن باريس نيوريوك كما سرد كاتبنا) والقاطنون فى مصر كذلك وخارجها مرتبطون بهيئات دولية هى كلها تحت عنوان ولافتة الإمبريالية العالمية التى يزعم هؤلاء محاربتها، فإذا بهم يقبضون منها! وكذلك يتمول هؤلاء (باحثون أو حقوقيون إن صحّ التعريف!) من شركات ومؤسسات هى فى الأصل والفصل جزء أصيل من الرأسمالية العالمية التى يزعم هؤلاء مناهضتها، ومعظمهم مقيم فى الخارج (وبعضهم يناضل من الساحل الشمالى أو الجونة) ويملك جنسية أجنبية (طبعا من جنسيات الغرب الاستعمارى ابن الكلب) ولكنه لا يكفّ عن المزايدة والترخُّص فى الهجوم على المناضلين ضد الاستبداد الدينى والسياسى والفساد والإرهاب حتى إن كاتبًا مثل صديقنا الكبير لم يعُد آمنًا بينهم على أن يقول كلمته الحرة لأنها لا تعجب صِبْية السياسة وأعز المزايدين!
لقد ارتكب اليسار فى إيران جريمة كبرى فى تاريخه حين تحالف مع الخومينى فى مواجهة قوى الليبرالية الإيرانية بعد ثورة 1979، وسلموا إيران خالصة مخلَّصة، كالأنعام بل أضلّ سبيلًا، إلى الفاشية الدينية، وهو ما يحاول صبية اليساريين فعله الآن للمرة الثانية فى مصر بعد ثورة يناير، لكن طبعا لأنهم صغار جدًّا وغير مؤثرين على الإطلاق إلا فى ابتزاز مثقفيهم وشللّهم، فإن هذه الجريمة لن تحدث، ليس لأنهم نضجوا وفهموا، بل لأنهم فشلة تمامًا! المصدر جريدة / التحرير