إنه رهان خاطئ بكل المقاييس..
الذى يتصور أن الضغط الخارجى وتحديدا الأمريكى يمكن أن يؤثر على القرار المصرى الداخلى «حتى لو كان القرار خاطئًا»، أو سوف يفلح وينجح فى تغيير مصر لمسارها أو توجهها أو سياستها أو تعاملها مع شخص أو تيار أو جماعة، فإنه يغطس فى الوهم وفى فشل الحسابات الخاطئة.
مع كل اتهام قضائى يسقط على دماغ الإخوان مطرقة كاشفة لحقيقة خيانتهم، ومع كل حكم محكمة يصدر يتصور الإخوان ومَن وَالَاهم أن افتتاحيات الصحف الأمريكية وبيانات البيت الأبيض أو خارجيته سوف تفعل فعلها وتهزّ أركان الدولة المصرية، وهذا كذلك محض أمنيات شخصيات عاجزة عن فهم ما يدور حولها.
ما فى شك أن المواقف الغربية ذات أهمية دولية، وأنها تلعب دورا فى تضييق أو اتساع المساحة التى تتحرك فيها الدولة المصرية خارجيًّا، ولكن الثابت أن قرار الدولة الوطنى متى كان تعبيرًا عن الإجماع الشعبى ومستندًا إلى ثقة الجماهير ودعمها فإن القرار «أقول حتى لو كان القرار خاطئا» وما دام مستندًا ومدعومًا من الشعب فإن أحدا لا يستطيع أن يخلخله.
خصوصا أمريكا أوباما..
إن المتغطى بأمريكا «إعلامًا وإدارة» عريان بالقطع، فهى استنفدت أى دور لها فى السياسة المصرية حين وقفت أمام الشعب وخاصمته، وحين انحازت إلى العصابة الإخوانية التى باعت بلدها، وحين فكرت أن إيقاف مساعدات تافهة اقتصاديًّا أو عسكريًّا سوف يحاصر مصر ويجبرها على تغيير قرارها.
أمريكا التى يطلب سفيرها فى سوريا التفاوض مع تنظيم القاعدة، والتى تتجسس على مواطنيها وتتنصت على حلفائها، والتى تستبيح قتل مواطنيها بطائرات دون طيار، والتى تبيع أصدقاءها فى الخليج، لا تملك تأثيرًا إلا على الأتباع ولا تمثل أهمية لمصر الرسمية ولا الشعبية الآن.
صحيح لا أحد عاقلا يفكر فى استفزاز ومخاصمة دولة كبرى مثل أمريكا، لكن أيضا لا أحد وطنيًّا يمكن أن يخضع أو يرتعش أو يتراجع قراره أمام أمريكا..
أمريكا إذن فقدت نفوذها فى مصر.
أصلا كان نفوذها مبالَغًا فيه ونفخته حالة تبعية نظام ما قبل ٢٥ يناير رغم إدراك مبارك أن أمريكا قليلة الأصل، وكذلك كانت أمريكا تملك نفوذها على الإخوان، لأنها دون ذرة شك اتفقت معهم على صفقة خيانة مشحونة بالعفن السياسى، وكان لكل طرف على الآخَر دلال وعشم ومديونية وسداد ثمن.
أما مصر ٣٠ يونيو فلا يهمها عتب أو غضب أو سخف أمريكا، هل هذا يعنى تحديًا لأمريكا؟ يجوز.
لكن مصر تقرر مصلحتها، فإن فهمتها أمريكا تحديًا فهذا شأنها، فهو إذن تحدٍّ من منطلق وطنى واستقلال إرادة وإجماع وتصميم شعبى وفهم للساحة العالمية، حيث لن تكون أمريكا هى قطب الكون الوحيد، وحيث إن روسيا والصين دخلتا الموازين الدولية بقوة، وإن للحسابات الإقليمية دورًا مهمًّا، وإن الدعم المالى السياسى الخليجى يواجه الابتزاز الأمريكى والأوروبى فى الدعم وفرص الاستثمار.
الذى يريد تغيير سياسة بلده ليقنع شعب بلده.. انسوا أن أمريكا ببيتها الأبيض أو كونجرسها أو إعلامها أو مِنَحها لمنظمات حقوقية أو شغل مخابراتها يمكن أن تغير من قرار الشعب المصرى إن قرر!
المصدر جريدة التحرير