مجموعة سعودي القانونية

ابراهيم-عيسى

بكل حبى وتقديرى واحترامى المؤكَّدَين للرئيس عدلى منصور فإننى أحذِّره وأحمِّله كل المسؤولية عن تخريب قادم للمرحلة الانتقالية، بل ولخمسين عامًا قادمة أيضًا، وهو صامت رغم صلاحياته الواسعة، وربما المطلقة، على أعمال وأفعال تصدر عن شخصيات عيَّنها فى لجنة الخمسين لا تمثل مثقال حبة من خردل فى الشارع، وقُوى لا وزن جماهيرى لها إطلاقا، ولكن هؤلاء وهذه، فى حالة من العمل اليومى فى لجنة الدستور والحكومة على تخريب المرحلة الانتقالية، لا عن خيانة، بل هم وطنيون حتى النخاع ولا حاجة إلى شهادتى، ولا لكائنٍ مَن كان ولا عن ولاء إخوانى، فهم خصوم للإخوان فعلًا وصدقًا، ولكنهم يتصرفون عن جهالة وعن ريالة ولخدمة مصالحهم الضيقة (لا أعرف هل يطَّلع الرئيس على محاضر جلسات اللجنة كى يعرف ويدرك أم أنه يَحسَب هذا الاطّلاع تدخُّلًا أو تطفُّلًا مثلًا؟!).

هم دمّروا مصر فى المرحلة الانتقالية بعد خمسة وعشرين يناير، وتعود نفس الوشوش تقريبًا لتدميرها بعد ثلاثين يونيو.

أتمنى من قارئى أن يحتفظ بهذه المقالة حتى يحاسبنى عليها فى المستقبل، إن كان لنا عمر، حيث أقطع بأن المسار الذى يسلكه بعض الأطراف والأفراد فى لجنة الخمسين فى صياغة الدستور سيضع مصر فى سلة الدول الفاشلة العاجزة بأسرع وقت وأسرع طريقة من جراء جهلهم ومصالحهم المحدودة والتافهة.

إن أقرَّت لجنة الخمسين نظام الحكم المختلط بين الرئيس والبرلمان فهى تُقِرُّ الشلل فى إدارة البلاد فى وقت تحتاج مصر فيه إلى أن تخطو وتعبر وتنطلق، لا أن تدخل فى الخصومات والمنازعات والصراعات بين أحزاب صغيرة هشة لا وزن لها معًا ومع الرئيس والحكومة، فتتعطل مصر وتتشل فعلًا كأننا فى لبنان أو العراق أو حتى إيطاليا، حيث كل واحد عايز ياخد حتة أو مش عايز حد تانى ياخد الحتة التانية ونقعد عشر شهور نشكل حكومة نتيجة المحاصصة بين الأحزاب أو المخاصمة بينهم، ونتيجة صورية الرئيس وقلة حيلته.

إن المشكلة الهائلة هنا هى أن لجنة الخمسين تضع صلاحيات للبرلمان، لأن أربعة رؤساء أحزاب يتحكمون فى نقاش اللجنة، وهو تضارب مصالح مرعب، إذ إنهم يتصورون -رغم هشاشة أحزابهم وهرائها التنظيمى- أنهم سيحكمون مصر بعد ثلاثة أشهر، فيفخِّخون البلد كلها لأغراضهم قاصرةِ الرؤية قصيرةِ النظر، ثم إن الإحساس السائد فى مناقشات اللجنة هو الحذر من رئيس قادم يشبه مرسى فيكاد كل ما يكتبونه فى مواد نظام الحكم يكون لمنع مرسى من التصرف فى البلد! فالثابت فى ذهن هؤلاء هو: «هيا بنا نعطل الرئيس القادم ونجعله ملكة إنجلترا»، وهذه فوبيا قد تتجه بنا مباشرة إلى الجحيم.

رؤساء الأحزاب الأربعة الذين يبتزُّون الجميع سياسيًّا بادعاء أن الذى يطالب بنظام رئاسى إنما يريد مجىء السيسى وأن الذى يطالب بالنظام الفردى إنما يريد الحزب الوطنى، وينسى هؤلاء المبتزون سياسيا أن لا أحد سيجىء إلا من يريده وينتخبه الشعب، وأن طريقتهم نفسها هى التى جلبت الإخوان ومحمد مرسى راكبين فوق ظهورهم ومدلدلين رجليهم، بينما هذه الأحزاب كانت أشد عجزًا من أن تشخط حتى فيهم وأن من أنقذنا من الإخوان هم الشعب المصرى حين التفّ حول حركة «تمرد» غير الحزبية وحين استجاب له الجيش.

إنْ أقرت اللجنة نظام الانتخابات بالقائمة فهى تمشى فى نفس الطريق الفاشل اللى ودَّانا فى داهية وسلّمَنا تسليم مفتاح للإخوان وتيار المتاجرين بالدين، وهؤلاء الأعضاء المتبخترون بالقائمة إنما يقذفون البلد فى النار لمجرد أن يجلس أحدهم متزعمًا مائدة حزبه يتحكم فى توزيع عطاياه على الأعضاء الموالين، فنظام القائمة فى غياب أحزاب حقيقية وكبيرة، وفى ظل عدم وجود فعَّال للأحزاب فى الشارع لا يعنى سوى الخراب السياسى، وقد ينتهى بفوز مشترك لأحزاب المتاجرين بالدين بمقاعد تتحكم فى مصر كلها.

ثم إن إجراء الانتخابات بنظام مختلط بين قائمة وفردى تكرار سقيم ومجنون للفشل السابق، حيث العبث فى الدوائر وتوسيع حدودها لدرجة أن دائرة واحدة كانت تشمل من شارع الهرم حتى الواحات البحرية! وجهلٌ تامٌّ ومُطلَقٌ بالشعب والشارع، فأىُّ نظامٍ غير واضح أو ملتبس فى التصويت وطريقة الفرز وحساب الأصوات إنما هو تَرَفٌ جاهل لا تحتمله مصر الآن، وهى تلتمس الوضوح فى خطواتها وفى طريقها.

ثم إن تجاهل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معًا فى يوم واحد إنما هو تطويل للمرحلة الانتقالية لا تطيقه الظروف، واستنزاف للمال والأعصاب والاقتصاد والأمن وغفلة عن ضرورات تلزمنا بتقصير المدة وعبور الحفرة التى تهدِّد اقتصادنا بالسقوط فيها، لكن هؤلاء يُصِمُّون آذانهم عن أى مصلحة غير مصلحتهم النمطية التافهة التى -للغرابة- لن يحصلوا عليها أصلًا، فسوف تخطف منهم الأحزاب المتأسلمة أحلامهم.

هنا يقف المستشار عدلى منصور سلبيًّا، وهو الذى عيَّن هذه اللجنة (بالمناسبة أنا عضو احتياطى بها، ولكن لم يكُن لى شرف الحضور والمشاركة، فاللجنة تضمّ شخصيات رائعة وعظيمة، خصوصًا شبابها الأربعة عيد وبدر وعمرو وعبد العزيز، أتشرف بوجودى معهم).

يتعفف الرئيس وينغمس الجيش فى مشكلة واحدة لا يرى غيرها هى مادة القضاء العسكرى، وينحشر القضاة فى موادَّ تتصارع عليها هيئاتهم، وكل فئات المجتمع تجرى على منافع أو فوائد لها فى الدستور دون أن تدرك أنه بعيدًا عن مادته المهموم بها فإنهم يخربون المستقبل.

إنْ أقرت لجنة الخمسين نظام الحكم المختلط بين الرئيس والبرلمان ونظام الانتخاب بالقائمة، وإجراء الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية، فقد يكون التصويت برفض الدستور مهمة وطنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *