مجموعة سعودي القانونية

ابراهيم-عيسى

الموت فى سبيل فكرةٍ لا يعنى بالضرورة نُبْل وعظمة الفكرة، فقد تكون فكرةً حمقاءَ أو متطرفةً أو عنصريةً أو يكون الموتُ عبثيًّا.

كان المشهد مذهلًا، أوقف العالم على رِجْل، وصَفه البعض (كنا مندهشين ومش فاهمين ومستغربين أن يفعلها رجل عظيم بهذه الطريقة الغريبة بهذا الشكل العلنى!): جرى هذا فى اليابان، حيث  انتحر الأديب الروائى اليابانى الأشهر  يوكويو ميشيما يوم 25 نوفمبر 1970، لكن كيف انتحر؟ انتحر كأنه بطل مشهد فى رواية هو مؤلفها!

يوكويو ميشيما ومعه قلة من رفاقه (كل الأفكار قابلة لتجنيد مؤمنين بها) احتلوا  مقر كلية الأركان العسكرية فى قلب طوكيو واحتجزوا قائدها ثم صعد ميشيما إلى شُرفة الكلية المطلة على ساحة التدريب وألقى كلمة عصبية لم تستغرق أكثر من عشر دقائق فى الجنود الشباب المندهشين لحديثه، دعاهم فيها إلى رفض دستورها «السلمى» الذى فُرض عليها بعد الاحتلال الأمريكى عام 1945والعودة إلى تقاليد اليابان العسكرية وقيمتها القومية التاريخية قبل أن ينجرف مجتمعها مع موجة التغريب  فى العقود الأخيرة، وعلى الرغم من أن رد فعل الجنود كان أقرب إلى السخرية، بل إن بعضهم أغرق فى الضحك لعصبية ميشيما وغرابة أفكاره بمعيار الجيل الجديد فى اليابان ولحركاته الدرامية المبالَغ فيها، قرر ميشيما المضىَّ قُدُمًا فى عملية الانتحار فغرز سيفه عميقًا فى أمعائه وأخرج رأسه من جانب بطنه الآخر على طريقة انتحار فرسان اليابان القدماء «الساموراى» المسمَّين «هارا كيرى» ثم قام أحد رفاقه بحزِّ عنقه وفصل رأسه عن جسده.. تخليصًا له من العناء الدموى.

وقد أثار حدث انتحاره اهتمامًا واسعًا فى اليابان وفى الغرب، واعتبره البعض دليلًا على أن الروح اليابانية المتحفزة للمواجهة ما زالت تسرى فى الأعماق، ولم يكن ميشيما بالأديب الصغير الفاشل حتى يمر انتحاره دون زوبعة، فقد كان روائيًّا كبيرًا ناجحًا، وكان قد فرغ لتوِّه من إرسال الجزء النهائى من قصته الأخيرة إلى المطبعة، ثم أخذ يخطط لحادثة الكلية العسكرية بشكل مدروس، بعد أن اطمأن إلى أنه قد سجل كلمته النهائية عن اليابان فى تلك الرواية التى سماها «بحر الخصب».

انتحر ميشيما لكن اليابان لم تنتحر وواصلت عملية التحديث والتصنيع والتكنولوجيا وعَصْرَنة ثقافتها حتى صارت اليابان دولة تجلس على القمة.

هل كان ميشيما على حق فى انتحاره؟

لا أحد فى الدنيا على حق إذا انتحر. لكن الدلالة هى الاعتقاد فى فكرةٍ حتى الموت من أجلها. طيب هل كانت الفكرة تستحقّ؟

عموما انتحار أشهر أديب يابانى كان واضحًا تمامًا فى هدفه من حيث هو إعلان صارخ من الكاتب اليابانى الشهير عن قضية اليابان التقليدية التى جرَّفها التغريب من وجهة نظره، فقد ظهرت الحكايات والكتابات بعد انتحاره بفترة تقول إنه انتحر بسبب قصة حب فاشلة مع امرأة هجرتْه وخانتْه.

أنت.. ما رأيك؟

هل ينتحر راجل كبَّارة مشهور وعظيم مثل ميشيما بسبب اليابان، ولَّا بسبب المدام؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *