مخطئ من يتعامل مع حديث الحكومة عن رفع أسعار أنبوبة الغاز، ورفع أسعار البنزين والكيروسين، على أنه الوسيلة المثلى لعلاج الأزمة الحالية التى لم تقتصر على هذه السلع وفقط، وإنما امتدت إلى باقى السلع الغذائية التى أصبحت شكوى كل أسرة متوسطة، يعجز عائلها عن تدبير نفقات الحياة، فما بالنا بالأسر الفقيرة التى تعتمد فى دخلها على ما يجود به الله من رزق.
الحديث عن رفع أسعار أنبوبة الغاز ومواد الوقود من بنزين وكيروسين، لا ينفصل كلية عن قرض صندوق النقد الدولى التى دخلت حكومة قنديل فى مفاوضات من أجل الحصول عليه، بعد أن قام حزب «الحرية والعدالة»، بالتهييج ضد حكومة الجنزورى التى سعت أولا للحصول عليه، ولما أقدم عليه الرئيس مرسى والحكومة الحالية، تحول الجدل بشأنه إلى الحلال والحرام، وغاب الحديث عن الروشتة الاقتصادية القاسية التى يفرضها الصندوق عادة فى مثل هذه الظروف، ويدفع الفقراء ثمنها قبل أى فئة أخرى.
دعونا من الأحاديث الوردية التى يتبناها حاشية السلطان فى مثل هذه الأحوال، وفلاسفة الاقتصاد الحر، الذين يبررون مثل هذا الاقتراض بأنه شهادة دولية على كفاءة الاقتصاد المصرى أمام العالم، مما يسهل تدفق الاستثمارات والمساعدات والمنح الدولية، فمثل هذا النوع من الكلام كان هو سلاح نظام مبارك الإعلامى، ومن يراجع وسائل الإعلام خلال السنوات الأخيرة من فترة حكمه، سيجد كما لا حصر له من الإشادات الدولية بنهج مصر الاقتصادى، ووصل الفجور وقتئذ إلى الحديث عن أن قادة العالم يأتون إلى مصر للتعلم مما يفعله مبارك فى التحولات الاقتصادية التى تسير دون خسائر، ودون شكوى من الطبقات الفقيرة، ولم تفلح هذه الأكاذيب فى حماية نظام مبارك من الثورة التى أسقطته لنهجه السياسى والاقتصادى الفاسد.
الكارثة الآن تكمن فى استمرار نفس النهج، ففى الوقت الذى يتحدث فيه النظام عن تدفق مئات مليارات الدولارات من الخارج، وتتسابق وسائل إعلام فى نقل الشهادات الدولية المشيدة، يتواصل جنون الأسعار، ويتدافع الشباب فى البحث عن وساطة من أجل الحصول على فرصة عمل.. فماذا تغير على المسرح؟ شخوص ذهبت، وأخرى جاءت، لكن الوجع كما هو، فليس أمامنا برنامج حقيقى للعدالة الاجتماعية، يصدقه الناس فيشدون الأحزمة على بطونهم من أجل غد سيأتى، وإنما أسعار تشوى الفقراء من أجل عيون قرض للصندوق، سيزيد من درجة حرارة نار الشوى.