مجموعة سعودي القانونية

الأوتانازيا ( 1 ) مشكلة قانونية وأخلاقية لا حل لها

الأوتانازيا

في شهر نيسان 1975 تناولت فتاة أميركية تدعى كارين (22 سنة) كمية كبيرة من الحبوب المهدئة بقصد الانتحار فدخلت في غيبوبة استدعت نقلها للمشفى حيث وضعت تحت جهاز إنعاش خاص وعلاج مكثف.

وبقيت في حالة الغيبوبة هذه ستة أشهر تكبد والدها خلالها نفقات مادية باهظة، وبالرغم من مساعدو ولاية نيويورك وبعض المؤسسات الخيرية له بنفقات جهاز الإنعاش، غير أن الوالد ضاق ذرعاً بتحمل هذه النفقات بدون فائدة لأن ابنته في حالة موت سريري.

نظراً لخلفيته الكاثوليكية المتدينة التي ترى أن إطالة عمر الفتاة اصطناعياً يعتبر سلوكاً مخالفاً لإرادة الله وانتهاك لحق الفتاة في موت طبيعي، اتجه الأب للمحكمة طالباً منها أن تأمر الأطباء بوقف الأجهزة الصناعية التي تمد الفتاة بأسباب الحياة الاصطناعية لعدم جدواها في إيقاظها من سباتها، فرفضت المحكمة الدعوى بحجة أن الأمر طبي بحت يعود تقديره للأطباء.

فطعن الأب بالقرار أمام المحكمة العليا في نيوجرسي فاتخذت قراراً بالإجماع بوقف المعالجة الاصطناعية باعتبار أنها لا تفعل شيئاً أكثر من إطالة النزع.

وقد جاء في حيثيات هذا القرار:
((إننا مقتنعون في هذه الظروف الأليمة أن كارين لو استطاعت أن تستعيد لحظة واحدة من إفاقتها وإحساسها –ولو أن ذلك يعتبر معجزة-وأدركت حقيقة وضعها الميؤوس منه نهائياً، لكانت اختارت وقف هذه الأجهزة التي تبقيها حيّة … وإننا لا نتردد في القول بأن الواجب الذي يقع على عاتق الدولة لصيانة حياة الناس، يجب أن يتنحى في هذه الحالة الشاذة أمام حقوق الأفراد الخاصة وبالتالي فإنه لا يجوز إرغام كارين على أن تتحمل ما لا يمكن لها تحمله لمجرد أن تظل في حياة اصطناعية بضعة أشهر أخرى، ودون أن يكون لها أقل أمل واقعي في أن تعود إلى حياة طبيعية ذات أحاسيس، وفي الوضع الحالي فإنه يعود لولي كارين الشرعي، أن يمارس باسمها هذه الحقوق)).

وبناء على هذا الحكم فإن المحكمة العليا خولت الأب أن يطلب بوقف الإنعاش الاصطناعي بموافقة السلطات الطبية بدون ان يتعرض أحد ممن يشارك بوقف الأجهزة إنعاش لملاحقة جزائية.

ولكن امتنع أطباء المشفى عن نزع الأجهزة الطبية عن الفتاة، ولكنهم قالوا بأنهم لن يعارضوا أي طبيب مختص يقوم بذلك، وبالفعل تطوع بعض الأطباء المختصين وقاموا بذلك وأسدلوا الستار على واحدة من قضايا القتل الرحيم التي أحدثت جدلاً واسعاً في الأوساط الطبية والقانونية.

يعتبر هذا الحكم واحد من أندر وأجرأ الأحكام القضائية في العالم التي أجازت القتل الرحيم ، وسيبقى القتل الرحيم مثار جدل قانوني وأخلاقي كبير حول مدى أحقية إنسان بوضع حد لحياة إنسان آخر اعتقاداً منه بأن ذلك أفضل له !!!

(المرجع: الدكتور عبد الوهاب حومد-دراسات معمقة في الفقه الجنائي المقارن)

—– الهامش —–

( 1 ) الأوتانازيا :

كلمة الـ (Euthanasia) كلمة إغريقية الأصل وتتألف من مقطعين: السابقة EU وتعني الحَسَن أو الطيب أو الرحيم أو الميسر. واللاحقة THANASIA وتعني الموت أو القتل.
وعليه فإن كلمة الأوتانازيا تعني لغويًّا الموت أو القتل الرحيم أو الموت الحسَن أو الموت الميسر.
أما في التعبير العلمي المعاصر فتعني كلمة الأوتانازيا: “تسهيل موت الشخص المريض الميئوس من شفائه بناء على طلب مُلِحٍّ منه مقدم للطبيب المعالج”.
وهو على ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: الحالة الاختيارية أو الإرادية، حيث تتم العملية بناء على طلب ملحٍّ من المريض الراغب في الموت وهو في حالة الوعي أو بناء على وصية مكتوبة مسبقاً.
الحالة الثانية: الحالة اللا إرادية وهي حالة المريض البالغ العاقل الذي فقد الوعي، حينئذ تتم العملية بتقدير الطبيب الذي يعتقد بأن القتل في صالح المريض، أو بناء على قرار من ولي أمر المريض أو أقربائه الذين يرون أن القتل في صالح المريض.
الحالة الثالثة: وهي حالة لا إرادية يكون فيها المريض غير عاقل، صبيًّا كان أو معتوهاً، وتتم بناء على قرار من الطبيب المعالج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *