اعداد: سميحة عبد الحليم
شهدت مصر عددا من الثورات عبر التاريخ أثبت من خلالها الشعب المصري أنه شعب يتميز بالصبر، والتريث، وليس شعباً “مسالماً، خانعاً” يرضي بالذل، ويصمت علي العار والهوان، فقد أثبتت الأحداث عبر التاريخ ان الشعب المصري تجاوز كثيراً ما
حل به من كوارث،ولم يكن الطريق معبدا امامه .
ومصرعبر تاريخها الطويل، تعاقب علي حكمها فراعنة، وملوك، ورؤساء .. وكانت كثيرا مطمعا للغزاة والفاتحون ..و كان شعبها دائما يوالي الصالحين من الحكام، وينبذ الطالحين.
وفى هذا الملف نحاول ان نرصد اشهر الثورات التى اجتازتها مصر لنيل العيش والحرية والكرامة الانسانية ..
فى التاريخ القديم والتاريخ الحديث ..
التاريخ القديم ..
ثورة على الهكسوس ..
يذكر التاريخ أن أول حركة قومية يمكن ان توصف بأنها ” ثورة” هى تلك الحركة التى تزعمها ثلاثى فراعنة الأسرة السابعة عشرة والتى كان هدفها طرد “الهكسوس ” من مصر، بعد أن حكموها ما يقارب القرنين من الزمان.
– وفى عهد الأسرة العشرين، غزت القبائل القادمة من الشرق، والقبائل حليفتها القادمة من الغرب، أرض الدلتا واستقرت فيها مدة من الزمن ولكن السكان ثاروا عليهم، وتم إجلاؤها عن مصر الى الشرق والى الغرب، فى أواخر القرن الثانى عشر قبل الميلاد،
وكانت هذه الثورة الثانية صورة مصغرة للثورة الأولى على الهكسوس.
– وفى القرنين السابع والسادس قبل الميلاد، كانت مصر مسرحا لحوادث لم يذكر التاريخ مثيلا لها فى بلد آخر.. فقد غزا الإثيوبيون الوجه القبلى وغزا الأشوريين الوجه البحرى، وجعل هؤلاء وأولئك يتقاتلون على ارض مصر ووقف الشعب المصرى يراقب
الموقف حتى ضعف الفريقان، فانقض المصريون على الإثيوبيين وعلى الأشوريين معا، وطردوهم من بلادهم، وعادت لمصر سيادتها فى عهد ابسماتيك الأول ” 650-610 قبل الميلاد”.
– وتدفقت جحافل الفرس على مصر فاحتلتها وضمها قمبيز الى إمبراطوريته سنة 525 قبل الميلاد، وظلت مصر خاضعة لحكم الفرس حتى سنة 331 أى نحو مائتى سنة، وسمى المصريون القدماء عهد الحكم الفارسى “عهد الويلات ” . وعمدوا الى الثورة
أكثر من مرة لخلع ذلك العدو الثقيل، وتحالفت معهم الشعوب المجاورة التى غزاها الفرس أو أرهقوها، كالليبيين والفينيقيين والإغريق وغيرهم وتم النصر للمصريين فى النهاية فطردوا الفرس ووحدوا دولتهم… نتيجة لثوراتهم المتواصلة.
التاريخ الحديث ..
الحملة الفرنسية علي مصر..
– وأثناء فترة الاحتلال العثماني لمصر، تعد الحملة الفرنسية علي مصر التي استمرت لثلاث سنوات الفترة 1798-1801، أبرز الأحداث في التاريخ الحديث التي فجرت غضب المصريين، فقد شهدت تلك الفترة القصيرة ثورة المصريين بضع مرات انتهت
بزوال الاحتلال.
بعدها ثار المصريون وجاءوا بمحمد على حاكما عليهم .. وثاروا أيضاً بعد قرن ونصف القرن ليطردوا حفيد حفيده الملك فاروق عن العرش، كما عمدوا مرارا فى خلال هذه المدة الطويلة الى التعبير عن امتعاضهم أو غضبهم او استنكارهم، لما كان يقدم عليه
أفراد الأسرة الحاكمة من أعمال تعسفية.
ثورة عرابي
قادها الزعيم أحمد عرابي في الفترة ما بين 1879 : 1882 ضد الخديوي توفيق والأوربيين وسميت آنذاك هوجة عرابي . وكان من اهم اسبابها إيثار العناصر غير المصرية على العنصر المصرى فى سلك الجندية،وفى سلك الإدارة على السواء.
وشارك الشعب المصري بكامل طوائفه مع الجيش بقيادة عرابي الذي أعلن مطالب الشعب للخديوي توفيق.
ومن المفارقات المثيرة للدهشة ان المصريين الذين ثاروا على الترك ليأتوابمحمد على، ثاروا على حفيده توفيق لأنه كان يفضل عليهم الترك وغيرهم فيخصهم بالوظائف والمناصب والرتب والعطايا.
أسباب فشل الثورة العرابية ..
– خيانة الخديوي توفيق: بمساندته التدخل الأجنبى في شئون مصر منذ بداية توليه.
– خيانة ديليسبس: صاحب شركة قناة السويس، والذي اقنع عرابي بعدم ردم القناة لان الإنجليز لا يستطيعوا المرور عبرها لان القناة حيادية، ولكنه سمح للانجليز بالمرور.
– خيانة بعض بدو الصحراء: والذين اطلعوا الإنجليز على مواقع الجيش المصري.
– خيانة بعض الضباط الذين ساعدوا الإنجليز على معرفة الثغرات في الجيش المصري.
– خيانة خنفس باشا قائد حامية القاهرة.
– إعلان السلطان العثماني عصيان عرابي في 9 سبتمبر 1882 وهو وقت حرج جدا، وكان ذلك بتحريض من إنجلترا؛ جعل الكثير من الأشخاص ينقلبوا ضده.
– قوة أسلحة الإنجليز.
– عنصر المفاجأة الذي استخدمه الإنجليز.
ومنيت الثورة التي لم تقم علي أساس من التنظيم، بفشل ذريع إذ أعقبها احتلال بريطاني لمصر دام لأكثر من سبعين عاماً احتلال جثم علي صدور أبناء الشعب المصري وعمد الي تخلف المجتمع ومعاملته بسخرة بغيضة.
ثورة 1919 م
في ظل المعاملة القاسية التي عاناها المصريون من قبل البريطانيين والأحكام العرفية التي صدرت بحق المصريين، ورغبة أبناء مصر بالحصول على الاستقلال، قامت ثورة 1919 م والتي تعتبر أول ثورة شعبية في أفريقيا وفي الشرق الأوسط، والتى
استلهمت وقودها الدافع من شعار “الهلال مع الصليب” كرمز أبدي لوحدة أبناء الأمة أيا كان دينهم، أو عرقهم..
واستمدت هذه الثورة روحها من النضال الكبير الذي بذله كل من الزعيمين مصطفي كامل، ومحمد فريد، في الاحتجاج ضد المحتل وضد ما خلفه من ظروف معيشية صعبة علي حياة المصريين .
اسباب الثورة..
وترجع أسباب قيام الثورة الي ما كانت تلاقيه الجماهير الفقيرة من ظلم واستغلال خلال سنوات أربعة هي عمر الحرب العالمية الأولي ،و نقصت السلع الأساسية بشكل حاد، وتدهورت الأوضاع المعيشية لكل من سكان الريف والمدن،وشهدت مدينتي القاهرة
والإسكندرية مظاهرات للعاطلين ومواكب للجائعين تطورت أحيانا إلى ممارسات عنيفة تمثلت في النهب والتخريب. ولم تفلح إجراءات الحكومة لمواجهة الغلاء، مثل توزيع كميات من الخبز على سكان المدن أو محاولة ترحيل العمال العاطلين إلى قراهم،في
التخفيف من حدة الأزمة، كذلك تعرض العمال ونقاباتهم لهجوم بسبب إعلان الأحكام العرفية وإصدار القوانين التي تحرم التجمهر والإضراب.
قيام الثورة ..
تم تشكل الوفد المصري الذي ضم سعد زغلول ورفاقه وأطلقوا على أنفسهم “الوفد المصري”. وقام الوفد بجمع توقيعات من أصحاب الشأن وذلك بقصد إثبات صفتهم التمثيلية وجاء في الصيغة: “نحن الموقعين على هذا قد أنبنا عنا حضرات: سعد زغلول
ورفاقه.، في أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعي سبيلاً في استقلال مصر تطبيقاً لمبادئ الحرية والعدل .
،بعدها تم اعتقال سعد زغلول ونفي إلى جزيرة مالطة بالبحر المتوسط هو ومجموعة من رفاقه في 8 مارس 1919م فانفجرت ثورة 1919م.
حيث أشعل طلبة الجامعة في القاهرة شرارة التظاهرات. وفي غضون يومين، امتد نطاق الاحتجاجات ليشمل جميع الطلبة بما فيهم طلبة الأزهر .
وبعد أيام قليلة كانت الثورة قد اندلعت في جميع الأنحاء من قرى ومدن..
واضطرت إنجلترا الي عزل الحاكم البريطاني وأفرج الإنجليز عن سعد زغلول وزملائه وعادوا من المنفي إلي مصر.
وكان أبرز نتائج الثورة إلغاء الأحكام العرفية التي كان يحكم من خلالها الانجليز مصر، والوعد بحصول مصر على الاستقلال بعد ثلاث سنوات، مقابل إبقاء قوات بريطانية في مصر.
ثورة يوليو 1952 م
تعد ثورة 23 يوليو حدثا بارزا ليس في تاريخ مصر الحديث وحسب، بل في تاريخ الأمة العربية التي كانت معظم دولها ترزح تحت وطأة الاحتلال الأجنبي، فقد كانت ثورة يوليو هي الشعلة التي ألهبت حركات التحرر والاستقلال في الدول العربية، وانتقلت شرارتها الي كل أرجاء العالم الثالث الذى انتفض للمطالبة بحريته، ودفاعا عن تحرره من المستعمرين الغاشمين.
وقد ساهم فى نجاح الثورة التأييد الشعبي الجارف الذى اكتسبته من ملايين الفلاحين، وطبقات الشعب العاملة.
وبعد نجاح الثورة وحصولها على التأييد الشعبي الكبير بدأت مسيرة طموحة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية غيرت وجه الحياة علي أرض مصر، خاضت خلالها معارك كثيرة في الداخل والخارج، وأرست ثوابت راسخة للعمل الوطني، وقواعد صلبة لمسيرة تنموية حمل لواءها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.
ورغم التحديات الكثيرة التى اعترضت طريق الثورة، فأنها أثبتت قدرتها علي تصحيح مسارها ومسيرتها، آخذة فى الاعتبار تطور الأوضاع الإقليمية والدولية، ومدركة لحركة التاريخ.
وتمكنت الثورة من تحقيق انجازات شتى فى مجالات مختلفة على الصعيد الداخلي ابرزها تأميم قناة السويس وبناء السد العالي، وعلى الصعيد الإقليمى والدولي برزت مصر كأحدى القوى الفاعلة فى النظام الدولى السائد آنذاك، فكانت من مؤسسي مجموعة دول عدم الانحياز، ومنظمة الوحدة الافريقية، ورائدة حركات التحرر الوطني وداعمة لجهود الاستقلال ليس فى العالم العربي فحسب، بل فى القارة الأفريقية أيضا.
ولعبت قيادة الثورة دورا رائدا في تشكيل حركة عدم الانحياز مما جعل لها وزن ودور ملموس ومؤثر على المستوى العالمي ووقعت صفقة الاسلحة الشرقية عام 1955 والتي اعتبرت نقطة تحول كسرت احتكار السلاح العالمي كما دعت الى عقد اول مؤتمر
لتضامن الشعوب الافريقية والاسيوية في القاهرة عام 1958 .
ثورة داخل الحكم..
في حقبة حكم الرئيس الراحل أنور السادات، شهد عام 1971 تصحيحاً ذاتياً، أو بمثابة ثورة داخل الحكم أقصي بموجبها السادات ما سمي بمراكز القوي، فانطلق الشعب لتأييده، قبل أن يثور الشعب في يناير 1977 علي قرارات رفع الأسعار فتراجع السادات عن قراراته هذه نزولاً عن رغبة الشعب.
ثورة 25 يناير
احتشد ملايين المصريين في ميدان التحرير في يوم 25 يناير 2011 يطالبون بتنحي الرئيس السابق محمد حسني مبارك من رئاسة الجمهورية واتخذوا الميدان مقرا لثورتهم .
وكانت ثورة ثار فيها الشعب علي نظام الرئيس مبارك الذي حقق بعض الانجازات الداخلية المحدودة طيلة ثلاثين عاماً من الحكم، مقابل انتشار الفساد، والرشوة، والمحسوبية، والقهر، والعديد من الأمراض الاجتماعية كالفقر، وتدني الخدمات التعليمية
والصحية، والنقل، فضلاً عن انتشار العشوائيات، والاستخدام المفرط للقوة من قبل رجال الشرطة ضد فئات الشعب محتمين باستمرار العمل بقانون الطوارئ طيلة ثلاثين عاماً.
وبدأت الثورة باحتجاجات شعبية ذات طابع اجتماعي سياسي محددة هدفها الأول في الاحتجاج علي سلوك الشرطة العنيف ضد فئات المجتمع، واحتجاجًا على الأوضاع المعيشية والسياسية والاقتصادية السيئة، وكذلك على ما اعتبر فسادًا في ظل حكم الرئيس محمد حسني مبارك.
المظاهرات التي واكبت يوم عيد الشرطة، دعت إليها مجموعة من الشباب علي مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، وتويتر .
وتصاعدت الأحداث خاصة يوم 28 يناير 2011، والذي شهد زحفاً شعبياً علي الميادين والشوارع، وما تبعه من انفلات أمني جراء اقتحام العديد من السجون وأقسام الشرطة.
وأدت هذه الثورة إلى تنحي الرئيس محمد حسني مبارك عن الحكم في 11 فبراير 2011 وقد أعلنت أغلب القوى السياسية التي شاركت في التظاهرات قبل تنحي مبارك عن استمرار الثورة حتى تحقيق الأهداف الاجتماعية التي قامت من أجلها.