ابراهيم عبدالعزيز سعودي يكتب :
مهانــون بلا حــدود ( المحاماة في خطر “2” )
في كل أزمة أو مواجهة يتعرض لها المحامون مع سلطة من سلطات الدولة تنفيذية كانت أم قضائية ، يبين في وضوح ــ لكل من كان له قلب يحب هذه المهنة أو القى السمع وهو شهيد في ساحات محاكمها ونياباتها ــ ذلك التراجع الشديد الذى أصاب نظرة الدولة والسلطة القضائية والمجتمع بأسره إلى رسالة المحاماة ، وكيف ترى السلطتين التنفيذية والقضائية مكانة المحاماة والمحامين فى منظومة العدالة فى مصر ؟ ، ولماذا أصبحت النظرة الحاكمة من القضاء والنيابة والشرطة الى المحامين هي النظرة الدونية الاستعلائية ؟!!! ، وهل للمحاماة الآن مكان أو مكانة فى عيون القائمين على منظومة العدالة والمسئولين عن قواعد إرسائها في مصر الثورة ؟
إن اصلاح حال المحاماة في مصر لن يكون أبدا الا بأن ننكأ هذه الجراح في صراحة شديدة مع النفس ، فمثل ذلك من الأهمية بمكان لكل من يحاول صادقاً حرث الأرض من جديد حتى يمكن أن تستعيد المحاماة قدرتها على العودة والنهوض والأزدهار ، فقد باتت النظرة إلي المحامين أبعد ما تكون بحال من الأحوال عن النظر إليهم بوصفهم شركاء للسلطة القضائية فى تحقيق العدالة ، بل ولعله من المرير على النفس أن أقرر فى صراحة ووضوح أن المحامين لم يعد منظوراً إليهم فى عيون هؤلاء حتى ولو وبوصفهم أعوان للعدالة كغيرهم من الخبراء والكتبة والمحضرين .
فلقد بات المحامون في نظر القائمين على شئون العدالة في مصر على أحسن الفروض قطعة ديكور تكمل الصورة ـ ربما لا أقل غير أنه من المؤكد أنه لا أكثر ـ ولا أظنني فى حاجة إلى التدليل على هذه الدونية التى صارت تنظر بها عيون هؤلاء الى المحاماة والمحامين ، فأينما وليت وجهك في عملك في كل يوم وساعة يطالعك الدليل .
إنظر كيف يتكدس المحامون لحضور الجلسات كأكوام اللحم فى طرقات المحاكم وممراتها ، ليس فقط بين المتقاضين بل بين اللصوص والمجرمين ؟!
انظر إلى ملايين الساعات المهدرة من وقت آلاف المحامين وهم ينتظرون فى حسرة ومرارة وملل وتبرم صامت ، حتى يتعطف عليهم من يبدأ الجلسة ، التى بات من النذر اليسير أن تنعقد فى موعدها المحدد .
انظر الى المحامين وهم يتراصون في طوابير أمام أقلام الكتاب ، والكتبة ، والمحضرين ، وموظفي الخزائن وغيرهم ، حتى يؤدون واجبهم في معاناة وضيق وقت وظروف غير مواتية ويضطرون الى استمالة ذاك ونفاق هذا ورشوة ذلك حتى يتسنى لهم انجاز عمل تافه كان يقوم به من قبل الكتبة والوكلاء في مكاتب المحامين .
انظرالى التربية القضائية التي تترسخ يوما بعد يوم ويتناقلها القضاة في معاملة المحامي ، إذ لم يعد القاضي يرى في المحامي غير عائق في سبيل العدالة ، وأصبح واقع الأمر أنه لا قيمة لما يسمى بحقوق الدفاع ، فما عادت بحقوق ، بل هي منح ان شاء اعطاها وان شاء منعها ، بل ويعمد بعض القضاة الى تجريدالمحامي من كل مكانة امام موكليه حتى لا يستشعر المتقاضي ثمة دور للمحامي في نيل حقه ، بل هو مجرد زينة للقضاء ، يكمل له الوجاهة والخيلاء ، فيشعر المحامي ـ سيما ان كان شابا في مقتبل عمره ـ بالانكسار والهوان .
انظر إلى المحامين وهم يتسولون ( ولا أقول يتوسلون ) الدخول إلى وكيل نيابة للحصول على تأشيرة لا جدوى منها ويمكن اتمام العمل بدونها ، بينما هو يقضى ساعات يثرثر فى الهاتف تحت ستار أنه يعمل ، ويتحول الإنتظار أمام بابه إلى غضب مكبوت قد ينفجر فى لحظة… كاللحظات التى تجسدها أزمات متكررة لشباب المحامين مع شباب أعضاء النيابة ، لحظات قد ينفجر فيها الغضب فى صدور شباب المحامين في أي لحظة فتشتعل الأزمة ثم تنطفئ الى لا شئ لنعود ندور من جديد في فلك ذات الدائرة المفرغة .
عشرات المواقف ومئات المشاهد تنطق بالاهانة وتفيض بالمهانة لا تختلف فيها مصر مبارك عن مصر الثورة عن مصر الإخوان عن مصر ما بعد الإخوان من أزمة طنطا الى أزمة مدينة نصر الى أزمات شبه يومية في محاكم مصر تكشف لنا في كل يوم أنهم يعمدون الى اهانتنا بلا حدود في ظل صمت نقابة غارقة حتى أذنيها في طموحات ومصالح القائمين عليها .
فلتعذروني ان كان مؤلما أن ننكأ الجراح ، فما نريد الا أن نفتحها لنعيد تطهيرها وأن نضع أيدينا على مواضع العلل حتى نكشف معا الأسباب ، ونرسم معا طريقا للعلاج فما هي الأسباب وما هو الطريق للخروج من النفق المظلم هذا ما نحاول الإجابة عليه في هذه السلسلة من المقالات .
للتواصل مع الكاتب عبر حسابه على فيس بوك
https://www.facebook.com/ibseoudi
وعبر صفحته الشخصية على فيس بوك
https://www.facebook.com/ibrahem.seoudi?ref=hl
ولمتابعة مقالاته وآرائه
http://www.seoudi-law.com/?cat=4