مجموعة سعودي القانونية

نهى-الزينى-نائب-رئيس-هيئة-النيابة-الأداريةلقد كنت هناك، وشاركت في هذا الأمر، وهذه شهادة حق إن لم أقلها سوف أسأل عنها يوم القيامة، ولا أقصد مما أقول مساندة أحد أو الإساءة إلي أحد، ولكنه الحق الذي وهبنا له حياتنا والعدالة التي أقسمنا علي الحفاظ عليها، وقبل كل هذا وبعده خشية الله الذي أمرنا ألا نكتم شهادة الحق، وأن نقولها مهما كانت التضحيات والله إنه لا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيكم إن لم تسمعوها.توجهت إلي دمنهور للإشراف علي الانتخابات التشريعية التي أجريت يوم الأحد ٢٠/١١ بتكليف من اللجنة العليا للانتخابات باعتباري من أعضاء الهيئات القضائية، كانت الرحلة ميسرة، فقد وفرت لنا اللجنة العليا كل شيء من تذاكر سفر مجانية إلي إقامة علي أفضل مستوي، إلي بدل إعاشة جيد إلي سيارات بسائقين مخصصة لتنقلاتنا – هذا فضلاً عن مكافأة الإشراف التي سوف تصرف لاحقاً بمعدل عدة آلاف من الجنيهات لكل عضو – كل هذا من ميزانية الدولة أي من أموال دافعي الضرائب، وهم الناخبون الذين دفعوا لنا كل هذا طواعية مقابل أن نؤدي واجبنا ونحمي إرادتهم من أي تزييف، ونحمل أمانة أن يمثلهم المرشحون الذين يختارونهم هم – لا الحكومة – في مجلس الشعب.بدأ عملنا منذ الصباح الباكر في لجان الانتخاب، ثم بدأت عملية الاقتراع في الموعد المحدد بالضبط، وبالنسبة لي فقد ترأست إحدي اللجان الفرعية في الدائرة الأولي «قسم شرطة دمنهور»، وقد سارت عملية الاقتراع علي النحو المرسوم لها في حضور مندوبي المرشحين ووكلائهم ومراقبي منظمات المجتمع المدني، وقد بدا لي أن العملية كلها شفافة، وليس صناديق الاقتراع فقط. حقيقة كانت هناك بعض السلبيات، ولكنها محدودة نسبياً، وقام الأمن بواجبه في حماية اللجان خير قيام، وعند الظهيرة جاءت أجهزة الإعلام لنقل الصورة، وقلنا ما عندنا، وبدا الأمر مثيراً للتفاؤل، فالعملية بدت شديدة الجدية، وعن نفسي بذلت ما في وسعي للقيام بواجبي ولتجاوز السلبيات المتعلقة في مجملها بالأخطاء في الكشوف الانتخابية، وبعدم وجود بطاقات انتخابية وردية مع أغلب الناخبين، وعلي يقين من أن باقي الزملاء في اللجان الأخري أدوا واجبهم أيضاً بشرف.بعد انتهاء عملية الاقتراع، تم نقل الصناديق المبرشمة بصحبتنا إلي مقر اللجنة العامة في حراسة أمنية، حيث بدأ الفرز في سرادق واحد ضخم مفتوح الجوانب ومغطي السقف، وبدأت كل لجنة في عملية الفرز بحضور مندوبي المرشحين أيضاً، وكان واضحاً منذ البداية أن المنافسة علي مقعد الفئات انحصرت عملياً بين شخصين هما: دكتور مصطفي الفقي مرشح الحزب الوطني، ودكتور جمال حشمت مستقل مرشح الإخوان المسلمين – أو ما يطلقون عليه التيار الديني – وكانت عملية الفرز علنية وعلي مرأي ومسمع من الجميع، ومنذ الوهلة الأولي بدا تقدم جمال حشمت واضحاً، ثم مكتسحاً بفروق ضخمة عن منافسه، وكان مندوبوه في جميع اللجان يهللون فرحاً بتقدمه، بينما بدا التوتر والتجهم واضحاً علي مندوبي مصطفي الفقي، ثم بدأوا في محاولة اختلاق المشاكل، ولكن الأمور سارت أيضاً علي النحو الصحيح، وقام رؤساء اللجان بواجبهم وأنهوا عملية الفرز، ثم تسليم النتائج للجنة العامة، وبعدها انصرف أغلب رؤساء اللجان الفرعية، وبقي قليلون – كنت منهم – ثم انصرفوا وبقيت حتي أرغمت علي الانصراف.عقدت اللجنة العامة في حجرة واسع تم إغلاق بابها ومنع الدخول إلا لرؤساء اللجان الفرعية لتسليم محاضر الفرز، ثم الانصراف، وقد اختار رئيس اللجنة العامة عضوين بها من رؤساء اللجان الفرعية، أحدهما عضو بهيئة قضايا الدولة، ولست أفهم – رغم احترامي الشديد للهيئة العريقة ولأعضائها – كيف يصلح محامي الحكومة، لأن يتولي ما يشبه الفصل في منافسة تجري بين طرفين، أحدهما ممثل للحكومة؟ وسوف أذكر فيما يلي ملاحظاتي علي ما جري:– قمت بتسليم نتائج لجنتي متأخرة، لأنني أعدت الفرز حتي لا يبطل صوت صحيح أو العكس، أي أن نتيجة لجنتي – إن لم تكن آخر نتيجة – فإنها كانت من النتائج المتأخرة جداً.– كانت المؤشرات قرب النهائية القادمة من اللجان الفرعية تدل علي أن المرشح جمال حشمت حصل علي ٢٥ ألف صوت «علي أقل تقدير»، بينما حصل مصطفي الفقي علي ٧ آلاف صوت «علي أعلي تقدير».– أثناء عملية تجميع الأصوات حاول المرشح جمال حشمت التواجد داخل اللجنة العامة، ولكن تم إخراجه منها.– خلال الفترة التي جلست فيها داخل اللجنة العامة – مع ملاحظة أنني بقيت حتي الانتهاء من تسليم جميع النتائج – كان بعض الموجودين، سواء من القضاة أو غيرهم يستخدمون المحمول، ودار الحديث في مجمله عن تقدم المرشح جمال حشمت، واستخدمت في الدلالة علي هذا عبارة «اكتساح».– تلاحظ لي وجود أفراد من الداخلية داخل اللجنة العامة، كان أحدهم يجلس علي طاولة التجميع، ويشارك في العمل «وقد أخبرني أحد أعضاء اللجنة العامة، الذي أدعوه للشهادة، بأنه من أمن الدولة».– طلب مني رئيس اللجنة العامة الانصراف بعد مرور وقت، ليس بالقصير، فانصرفت وأنا متحققة من النتيجة، لذا كان تعجبي من صيحات التشكيك من أنصار جمال حشمت في الخارج، واعتقدت أنهم يبالغون كعادتهم، ففوز مرشحهم بات أمراً محسوماً بالنسبة لجميع من شاركوا في العملية، وكان هذا موضوعاً للحديث بين الجالسين داخل اللجنة العامة، حتي قال أحدهم: إن سقوط مصطفي الفقي سوف «يقلب الدنيا».– قبل الانتهاء من أعمال التجميع انصرف أحد أعضاء اللجنة العامة، وهو مستشار من رجال القضاء، وهو الشخص ذاته الذي دعوته قبل قليل للإدلاء بشهادته، مما حمل إلي مؤشراً خطيراً.– بعد انصرافي، بدأت الأخبار تصلني بأن ما حدث في دائرة الدقي في المرحلة الأولي، سوف يتكرر هنا، وأنه من المستحيل ترك مصطفي الفقي ليخسر أمام جمال حشمت «أنا هنا لا أتحدث عن رأي الناخبين، ولكنني أتحدث عما سمعته من رجال القضاء المشرفين علي الانتخابات، وقد طلبت منهم قول الحق، وهاأنا أدعوهم ثانية لشهادة الحق».هذه شهادتي أدلي بها أمام الرأي العام، وأنا أعلم تماماً ما سوف تسببه لي من متاعب، ولكن ماذا لو كسب الإنسان العالم كله وخسر نفسه؟ ولكي لا يزايد علي أحد أبادر بالقول صادقة: إنني أخالف الإخوان المسلمين في الكثير جداً من آرائهم وتوجهاتهم، وعلي المستوي الشخصي، أعلم أن الدكتور جمال حشمت شخص محترم، وكنت أتمني لو لم يكرر تجربة خوض الانتخابات مرة أخري بعد ما حدث له في الدورة الماضية، أما وقد فعلها فعلينا أن نحترم إرادة ناخبيه، وأن نحمل الأمانة التي كلفنا بها.وأنتم يا رجال القضاء يا أملنا في عالم أفضل، لقد صدعتم رؤوسنا بالحديث عن القضاء الجالس والقضاء الواقف وبالتشكيك في ذمم الناس علي أساس من الجلوس والوقوف، ولكنكم نسيتم نوعاً ثالثاً أخشي أن يزداد انتشاراً، وأن يسود وهو «القضاء المنبطح»، ولن أعتذر للكلمة، ولن أسحبها فأنتم تعلمون أنها كلمة حق، لقد خرج القضاة من مذبحة ١٩٦٩ متطاولي القامة شامخي الهمة، لم يزلزلهم اغتيال حصانتهم وقطع أرزاقهم، بل ظلوا خير سياج للعدل والحق، غير أنه مع الأسف من لم يرهبهم سيف المعز تراخت إرادتهم أمام ذهبه وبدلاته ومكافآته وانتداباته في السلطة التنفيذية، حيث يتحول الجميع جالسين وواقفين إلي مرؤوسين لوزراء تنفيذيين منبطحين أمام توجيهاتهم حريصين علي عدم ضياع مكتسبات مادية مغرية استبدلوها باستقلالهم وشموخهم وترفعهم عن الشبهات، إنني ومن خلال هذا المنبر أدلي بشهادتي، وبما علمته في واقعة تزوير نتيجة انتخابات الدائرة الأولي بدمنهور، وأوجه نداء إلي من شهد الواقعة وشارك فيها للإدلاء بشهادته أيضاً – قال لي أحدهم لاحقاً إنه لا يستطيع أن ينام بعد ما حدث – واستصرخ همة القضاة الأحرار أن يتوقفوا عن المشاركة في الإشراف علي الانتخابات، حتي ينالوا استقلالاً حقيقياً يمكنهم من السيطرة الحقيقية والكاملة علي العملية من أولها لآخرها، ولأن ينسب التزوير إلي غيرهم خير من أن ينسب إليهم.أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولكني لن أستغفره للذين فعلوها وشاركوا فيها وحضروها، حتي يثوبوا إلي رشدهم ويقولوا قولة الحق، ويعلموا أنه لن يصيبني ولن يصيبهم إلا ما كتب الله لنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *