مجموعة سعودي القانونية

بلال-فضل

يبدو أن إلحاح الكثيرين ممن نقرأ لهم ونسمعهم ونراهم فى وسائل الإعلام على ضرورة أن يعيد الفريق عبدالفتاح السيسى أمجاد جمال عبدالناصر، قد شجع الأجهزة الأمنية على أن تسارع بإعادة البلاد إلى أسوأ أيام القمع الناصرى قبل حتى أن يتم إكمال مراسم تولى السيسى لرئاسة البلاد.

فى عهد عبدالناصر تحولت قصة (احنا بتوع الأتوبيس) التى كتبها الراحل جلال الدين الحمامصى إلى رمز مضحك مبكى لمهزلة غياب العدالة وانتهاك كرامة الإنسان، واليوم تتحول قصة (معتقلى القهوة) إلى رمز جديد لمهزلتنا القديمة المتجددة ولإصرار هذه البلاد على أن تحارب مستقبلها المتمثل بشبابها، بعد أن اطمأن حكامها إلى موالسة النخب السياسية والإعلامية والثقافية، فبعد أن كان جميع هؤلاء يوسعون الدنيا صراخا ضد انتهاكات الشرطة فى عهد محمد مرسى، أصابهم الآن الخرس المطبق، فلم يعودوا حتى يتضامنون مع رموز ثورية مشرقة تعرضت للاعتقال مثل علاء عبدالفتاح وأحمد ماهر وأحمد دومة، ولم نر منهم مواقف غاضبة بعد اقتحام قوة مدججة بالسلاح للمركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والاعتداء على محاميه أصحاب السجل المشرف فى الدفاع عن حقوق الغلابة والمهمشين.

وقعت مهزلة (معتقلى القهوة) خلال أحداث الشغب التى شهدتها جامعة الأزهر مؤخرا، حيث اختارت أجهزة الأمن ألا تلقى القبض على المتورطين الفعليين فى الشغب، لتقبض بدلا منهم على عشرة طلاب أثناء جلوسهم بأحد المقاهى بمدينة نصر، ولم يكن مصادفة أن يكون جميعهم من قيادات طلاب حركة شباب 6 ابريل وطلاب حزب الدستور وطلاب مصر القوية وهم: محمد ناصر ـ محمد عبداللطيف ـ حسام الخولى ـ نادر نور ـ مطيع ياسين ـ عمر الشحات ـ محمد مختار ـ أحمد عبد العزيز ـ أحمد عثمان ـ كمال الدين أحمد. وبرغم أنه تم اعتقال هؤلاء الشباب على القهوة متلبسين بشرب الشاى، إلا أنه تم اتهامهم بحيازة مفرقعات واستعمال العنف مع رجال الشرطة وتعطيل سير وسائل النقل والإخلال بالأمن العام وسرقة أسلحة نارية وحيازة أسلحة وذخائر بدون ترخيص واتلاف سيارات الشرطة، وبعد أن وجهت لهم كل هذه الاتهامات فى النيابة لم تجدها الداخلية كافية، فوجهت لهم أثناء احتجازهم فى القسم تهمة جديدة أصبحت هى الأخطر هذه الأيام، وهى تهمة الانتماء لجماعة الإخوان، لكى لا يفتح أحد فمه بالدفاع عنهم فيتهم هو أيضا بأنه إخوانى.

تعرفنا أكثر على هؤلاء الطلبة زميلتهم سارة حمزة العضوة بحركة طلاب ستة ابريل جامعة الأزهر فى هذه السطور المريرة: «حاحكيلكم عن شباب رافضين للظلم اتاخدوا من على القهوة وهما بيشربوا شاى، اللى يعرف الشباب دول هيعرف إنهم وقفوا ضد إدارة الجامعة الفاسدة من وقت رفضها إجراء انتخابات لقيادات الجامعة بعد ثورة يناير، عملوا وقفات كتير واعتصام قدام مبنى ادارة الكلية، ومع تعنت الإدارة الفاسدة وتخلى الاخوان عن الوقوف بجانبهم فى مطالب تطهير الإدارة قررنا نقوى صوت التيار الثورى داخل الجامعة واشتغلنا على مشاكل الطلاب وعملنا حملة اسمها (نبض الطالب) وجمعنا مشاكل الطلاب وقدمناها للإدارة وبرضه لقينا الرفض كالعادة.

لما الإهمال تسبب فى موت الطالبة غادة فكرى بعد نزيف استمر 6 ساعات بدون اسعاف كان الشباب دول أول من تحرك لقضيتها، بعدها عملوا حملة (عسكر كاذبون) داخل الجامعة لرفض انتهاكات الجيش والداخلية وقوبلوا بالضرب والتعدى من طلاب الاخوان، وبعد ما أصدر محمد مرسى الاعلان الدستورى الكارثى عملوا وقفة لرفضه وعملوا معرض لانتهاكات الداخلية فى عصر مرسى، وبرضه وكالعادة تعرضوا للضرب والتعدى من طلاب الاخوان وسكوت تام من الادارة.

اللى يعرف الشباب دول هيعرف إنهم لما مات أحمد الباز طالب الهندسة بأزمة قلبية بسبب اهمال الإدارة الطبية للمدينة الجامعية والمستشفى اللى مافيهاش غير اسبرين بس، كانوا هم أول ناس يطالبوا بحقه. ولما ظهر مرض السل فى المدينة الجامعية للبنات ما سكتوش واعتصموا قدام المدينة واتضربوا من الداخلية وفضلوا مستمرين فى الاعتصام لحد ما تم تعقيم المدينة وتحويل البنات المصابة للمستشفى وعلاجهم، وعملوا ده برضه لما حصلت قضايا تسمم فى المدينة الجامعية للبنين مرتين، يومها الطالب محمد مختار اتكلم مع رئيس اتحاد الطلبة الإخوانى عشان الاتحاد يطلب من رئيس الجامعة وشيخ الأزهر إقالة رئيس الجامعة والمسئول عن المدينة، وللأسف كل اللى عمله رئيس الاتحاد إنه طلب مراوح للمدينة وما اتكلمش عن مشاكل المدينة الحقيقية.

زملاءنا اتقبض عليهم عشان عايزين يخلوا جامعتهم جامعة محترمة لائقة علميا وأكاديميا وإنسانيا، اتقبض عليهم وهم قاعدين على القهوة بيشربوا شاى واتلفقت لهم تهم وخدوا 15 يوم حبس احتياطى ظلم، ولمجرد رغبتنا فى إننا نعرف مكان حبسهم شفنا تعنت شديد كأننا بندور على إرهابيين دوليين، وفضلنا نجرى يوم بحاله لغاية ما عرفنا إنهم محبوسين فى قسم أول القاهرة الجديدة بالتجمع الخامس، وإنهم اتحقق معاهم بعد مرور يوم كامل على القبض عليهم، وإنهم دلوقتى محبوسين فى أوضة خمسة متر فيها 30 شخص، قلبك هيتقطع لما تشوف منظر أهاليهم كل يوم وهما واقفين قدام القسم فى البرد وساعات تحت المطر عشان يشوفوا ولادهم لمجرد دقيقة أو حتى عشان يدخلوا لهم الأكل والبطاطين.

الداخلية اعتقلت زمايلنا وبتعاقبهم عشان فكروا إنهم يكونوا صوت للتيار الثورى جوه جامعة الأزهر، عشان حاولوا يحلوا مشاكل زمايلهم، وعشان حاولوا يكملوا ثورتهم اللى بتتسرق. شبابنا المعتقلين معنوياتهم فى السماء، ولما بنروح نزورهم بيصبرونا ويقولوا لنا هانت وهنخرج لكم وهنكمل وهننتصر، بس احنا اشتقنا لزمايلنا، احبسونا معاهم أو هاتوهم من ظلمة الزنزانة ورجعوهم لأهاليهم اللى هيموتوا عليهم. حسبنا الله ونعم الوكيل».

كثرت الحسبنات، وزاد الظلم، وامتلأت السجون بخيرة شباب مصر، والناس فى ظلمة التفويض غير المشروط يعمهون، لأن الإعلاميين والسياسيين تركوا دورهم فى نصرة المظلوم ونشر الحقيقة وانشغلوا بلحس الأعتاب وتبرير الخطايا والتعتيم على الجرائم والانتهاكات، ثم بعد هذا ينتظر الشعب أن تنصلح أحواله، كأن الله العادل يمكن أن يصلح أحوال دولة صار الظلم طقسا يوميا معتادا فى حياتها.

يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف.

المصدر جريدة الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *