مجموعة سعودي القانونية

بلال فضل يكتب | الدروي صنيعة السيسي!

بلال-فضلكل يوم، تواصل الأقدار منح المصريين إشارة يكفي تأملها للتيقن من خطأ الاتجاه الذي يقودهم فيه عبد الفتاح السيسي. ومع ذلك، ما زال كثيرون مصممين على التصفيق والتهليل، والحفر بهمة ونشاط نحو قاع أشد عمقاً، وأكثر ظلمة.
بعد أن انتشرت قصة ضابط الشرطة السابق، أحمد الدروي، الذي لقي مصرعه وهو يقاتل في قوات تنظيم داعش الإرهابي في العراق، ركز كثيرون على التعجب من براعته في تصوير أنه مات بمرض السرطان، ليتسنى له التواري عن أجهزة الأمن والسفر إلى سورية ثم العراق، بينما لم ير البعض من قصته سوى أنه ضابط الشرطة المؤيد لمرسي الذي تحول إلى إرهابي، كدليل إضافي لاتهام مرسي بالإرهاب!، في حين تعالت الأصوات التي تسب وتلعن كل من يصفه، هو والجماعات التي قاتل معها بالإرهاب، كأنه كان يقوم بطلعة وعظية مع جماعة التبليغ والدعوة، ولم يكن مشاركاً في إذكاء أوار حرب طائفية مشبوهة، الكل فيها جانٍ ومهزوم.
لم يعدم الأمر من يستخدم قصة الدروي لمزيد من الطعن في ثورة يناير، ومن يتشددون لها، أو تحويلها إلى نغمة إضافية لمعزوفة “مش أحسن ما نبقى سورية والعراق”، لتتوه وسط كل هذا الضجيج حقيقة بسيطة وخطيرة، هي أن مذبحة رابعة العدوية كانت المفتاح الأبرز في قصة تحول أحمد الدروي، لا أقول من النقيض، كضابط شرطة، إلى النقيض كإرهابي، فمن بين ضباط الشرطة من لا يقل إرهاباً وغباءً عن إرهابيي داعش وأخواتها، بل التحول من نموذج المتدين القابل للتعايش مع من يختلف معهم في الرأي، طالما وقفوا معه ضد الفساد والظلم، إلى نموذج الإرهابي الذي لا يرى سوى القتل طريقاً لتبريد نار الإحساس بالظلم التي تشتعل في صدره.
لم يولد الدروي إرهابياً، ولم يبدأ بحمل السلاح كطريق للتغيير، فقد بدأ كثير من متابعي موقع تويتر يعرفونه من تغريداته، عقب الثورة التي كان يحكي فيها خبرته، كضابط شرطة سابق، ويتحدث بحماس عن أحلامه بإصلاح الجهاز الفاسد الذي كان ينتمي له، ثم تابعوا خوضه تجربة الانتخابات البرلمانية التي خرج منها خاسراً وساخطاً على الأجهزة التي اتهمها بتزوير الانتخابات لصالح منافسه، مصطفى بكري، وحتى بعد أن تشددت مواقفه في دعم جماعة الإخوان، ظل حريصاً على التحاور مع المختلفين معه، من رفاق الميدان الذين كانوا يختلفون معه بقوة، بعد أن زاد تعصبه لمحمد مرسي، في عز ما كان يرتكبه من خطايا، أبرزها رعايته جرائم الشرطة في حق المتظاهرين، ليصبح مسؤولاً سياسياً عن القتل وشريكا فيه، كما كان مبارك وطنطاوي من قبله، وعدلي والسيسي من بعده، لكن كل سبل الحوار تقطعت بعد مذبحة رابعة، التي تحول الدروي، بعدها، إلى شخص مختلف، لا علاقة له بصورة الرجل المهذب الهادئ، وأصبح يكتب كلاماً يمتلئ بطائفية منفرة، جعلت كثيرين يتوقفون عن متابعته، ظناً منهم أنه يمر بمرحلة غضب، سيعود، بعدها، لهدوء يجعله يرفض ما يجري من جرائم وانتهاكات، من دون أن يصب جام غضبه في الاتجاه الخطأ، ولم يكن يخطر على بال أحد أبداً أن الرجل سيذهب في الغضب إلى مدىً لا يمكن تخيله.
للأسف، لم أصل بعد إلى درجة التسامي التي أراها لدى بعض من يعتبرون موت الإنسان مبرراً للتجاوز عن ذكر أخطائه، ومناقشتها، لكنني أدرك أن الحكم على مصائر الناس لن يكون أبدا ملكاً إلا لرب الناس، ومع ذلك، فلست أرى أن جريمة قتل الناس على المشاع باسم الحفاظ على الوطن، يمكن أن تكون مبرراً لتحول الغاضبين منها إلى قتلة على المشاع باسم نصرة الدين، وكل ما أتمناه أن نتأمل بجدية واهتمام قصة تحول أحمد الدروي، بوصفه نموذجاً لمئات الشباب المصريين الذين تقول المعلومات الصحافية الموثقة إنهم يحاربون، الآن، في صفوف داعش في سورية والعراق، فما أسهل أن نكتفي بإدانة أفعالهم الإرهابية فقط، ثم نواصل غض الطرف عن الجرائم التي ترتكبها سلطة عبد الفتاح السيسي الذي يلعب، كما قلت من قبل، دور الراعي الرسمي لداعش في مصر، لأن ما تمارسه دولته من إغلاق لأبواب الأمل والتغيير والعمل السلمي بممارستها القتل والقمع والظلم الممنهج، لا يدع أمام الساخطين سوى فتح أبواب الموت على مصراعيها، وإن كانوا أول قتلاها، ولا يجعل العقلاء مشغولين بالسؤال فقط عما جرى للدروي، بقدر انشغالهم بالتساؤل عن كم “درويّ” تواصل سلطة السيسي صنعه، الآن وغداً؟
يا خفي الألطاف: نجّنا مما نخاف.

 

المصدر:العربى الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *