لكن هل هناك أي تأثير للدين الاسلامي في الوضع الذي يجري في مصر حاليا؟
كان لدينا شاعر عربي كبير اسمه المتنبي أقام في مصر فترة وكتب عنها بيت شعر يقول أن مصر مليئة بالمضحكات المبكيات، من بينها الآن في رأيي أن الدين الإسلامي بات يستخدم من الكل لتبرير قتل بعضهم البعض، عندما كان الإخوان في موقع الحكم وقبله موقع الحليف للمجلس العسكري كانوا يستخدمون آيات وأحاديث لتبرير ما يتعرض له الثوار من قمع وقتل، هذه الآيات والأحاديث نفسها تستخدم ضدهم الآن بمنتهى الهمة والنشاط، لذلك نعم هناك أثر قوي للدين الآن وهو أن الكل يستخدمه كالعادة لتأكيد موقفه بما فيه كثير ممن يقولون أنهم علمانيون، طول الوقت ستجدهم يقولون أن الإخوان لا يمثلون الإسلام الصحيح وأنهم يفهمون الإسلام بشكل أكثر دقة، إنها الكوميديا المصرية المبكية.
• كيف يبدو لك موقف أمريكا مما يجري في مصر وردود أفعال المصريين على مجمل مواقفها؟
في مصر لدينا خناقة على من يجلس على حجر أمريكا منفردا دون أن يجلس معه الآخرون، هذا هو جوهر المشكلة، طالع تصريحات كل الأطراف، في يوم تقول أمريكا تصريحا يفهم أنه مع خارطة الطريق فيتم الترحيب بها، في يوم آخر يقول متحدث تصريحا مع الإخوان فتصبح أمريكا اللعينة ضدنا وتريد التآمر علينا، المشكلة أن أمريكا نفسها ليس لديها موقف أصلا سوى أن من يحقق مصالحها كاملة ستكون معه، أمريكا لا تحب الحريات إلى هذا الحد، كانت تصمت على قمع مبارك للإخوان لانه كان فعالا في ذلك، هي الآن غاضبة مما يحدث للإخوان لأنها تدرك أنه لن توجد فعالية كاملة لقمعهم وأنهم سيتحولون إلى قوة مهددة لأمنها ومصالحها في قناة السويس وعلى الحدود مع اسرائيل ولذلك هي تريد ألا ينفلت العقال وتصبح مصر دولة مزعجة. هذا كل ما في الأمر.
• لو كان مع الاخوان اسلحة في اعتصامهم، من أعطاها لهم؟
طبعا كان هناك مع الإخوان أسلحة في اعتصامهم وفترة الفوضى التي عاشتها مصر جعلت السلاح في يد الجميع، لكن وزير الداخلية قال بوضوح للبرادعي عندما اعترض على فض الاعتصام أن الإخوان لديهم مضادات للطائرات والدبابات وترسانة أسلحة، وصحيفة الأخبار الحكومية كتبت بالبنط العريض أن لديهم اسلحة كيماوية، وهو ما جعل الناس يتقبلون فكرة فض الاعتصام بوحشية، ثم بعد ذلك ظهر نفس الوزير ليقول أن ما تم ضبطه من أسلحة 10 بنادق آلية، فهل كان الأمر يستحق سقوط مئات القتلى لتعقيد الأمور أم أن ما اقترحه البرادعي من تعامل طويل النفس كان أفضل خاصة أن المعلومات كشفت عن وجود مبادرة وافق عليها الإخوان بوساطة دولية لكن جهات ما في الدولة سعت لتعجيل فض الاعتصام لإفشالها، للأسف هذه الجهات تظن أن سيناريو 54 و65 قابل للتطبيق وتنسى أنه لم تعد هناك سطوة للدولة المركزية تسمح بهذا، لأن الدولة المركزية تحولت في عهد مبارك إلى دولة رخوة وهذه الرخاوة تحولت إلى فوضى خلال السنتين الماضيتين، ولذلك بدون حلول سياسية ستكون النتائج كارثية على المدى البعيد.
• ماذا حدث للربيع العربي إذن، هل هو فشل نهائي؟
الخطأ على من اختزل تعقيد المشهد في توصيف بسيط لا يعبر عن حقيقته، الربيع عمره قصير كالأزهار، والأزهار لا تثمر، لكنها جزء من عملية طويلة تنتج عنها ثمار في نهاية المطاف لو حسنت النوايا والأفعال. ما يحدث الآن وحدث بالأمس وسيحدث غدا جزء من عملية تغيير طويلة المدى تصاحب أي ثورة في الدنيا، وفشل التغيير السريع طبيعي والخطأ على من توقعه من الأصل، لذلك حتى لو استراح الناس الآن للحلول الأمنية على المدى الطويل سيتعلمون أنها لن تجدي وأنه في نهاية المطاف ليس لهم حل إلا أن يعيشوا سويا، برغم كل التفاصيل يبقى أن أهم ما حققته الثورة هو أنها أعادت المواطن إلى المعادلة لأول مرة في تاريخ مصر، حتى عندما خلع الإخوان وأعاد الجيش إلى الصورة حدث ذلك بإرادته هو، ليس ليمنحه تفويضا نهائيا، بل لكي يحل مشاكله، وإذا لم يتحقق له الحل سيعود ثانية لكي يشاغب ويتمرد، وفي النهاية سيتعلم من حصيلة تجاربه.
• هل تضع في اعتبارك ما حدث في الجزائر وتركيا؟
لا يوجد أي سيناريو في أي مكان في العالم قابل للتطبيق بحذافيره في مصر، مصر قادرة على اضفاء مسحة من الهزل على أي سيناريو كارثي.
• يقول الكاتب الفرنسي رينو جيرار بجريدة لي فيجارو أن الاسلام والديمقراطية لا يلتقيان،ما رأيك؟
كنت أظن أن التعليم الغربي أفضل من التعليم لدينا بحيث يمنع الناس من إصدار أحكام تعميمية قاطعة تختزل أشياء كبيرة جدا في كلمات حاسمة تبدو كبيرة لكنها بلهاء جدا، لذلك يبدو لي أن السيد رينو تلقى تعليمه في مدارسنا الحكومية التي تخرب عقول التلاميذ، على أية حال لست محامي الإسلام ولا هو محامي الديمقراطية، كل شيئ يمكن أن يكون له مصير مختلف إذا كف الناس عن تصديق الحتميات سلفا وتركوا التجارب تتم حتى نهايتها.
• الوهابية ترفض تطور العالم.. ما مدى صحة العبارة من وجهة نظرك؟
سيظل التطور دائما أقوى من أي رفض له، انزل إلى الأحياء الفقيرة التي ينتشر فيها الفكر الوهابي وشاهد ما الذي فعله تطور وسائل الإتصالات في الأجيال الجديدة، لذلك أقول دائما أقوى سلاح ضد الفكر الوهابي ليس في مواجهته بأفكار علمانية متطرفة تسعى لقمعه، بل في توفير التنمية التي تخلق مناخا يدفع الإنسان للبحث عن المتعة والبهجة، عندما تكون حياتي جحيما على كل المقاييس ولا يبدو أن لدي أملا سأفكر في الجنة طول الوقت، لكن لو أصبح هناك ما يجعلني أحب الحياة، بالتأكيد سأحبها، وسأكتشفها وعندما أفعل سأكتشف أنها يمكن أن تكون جميلة بشكل يشغلني عن أي فكرة متطرفة.