بلال فضل يكتب | عبد الفتاح السيسي.. الراعي الرسمي لداعش في مصر!
هل عاد وكيل النيابة إلى بيته يومها سعيدا؟، هل شعر بالإنتصار لأنه أغضب علاء عبد الفتاح حين عرض في المحكمة فيديو لاحتفال عائلي لا يخص أحدا سوى أسرة علاء؟، هل التقى بزميل له بعدها فقال له “جامدة الحركة دي ياباشا.. حرقت دمه النكسجي ده”، هل اتصل لتهنئته ضابط الأمن الوطني الذي قام بمصادرة الكمبيوتر خلال اقتحام الشرطة لمنزل علاء وضربها لزوجته وترويعها لطفله الرضيع؟، وهل فكر هو أو زملاؤه أو رؤساؤه في خطورة مثل هذه الممارسات التافهة التي تؤدي للمزيد من مرمطة معنى العدالة في مصر؟، وهل يدرك هؤلاء خطورة ممارسة القهر بالقانون على مسجون سياسي لم يرتكب جرما سوى إبداء رأيه بطريقة لم تعجبهم؟، وهل فكروا أن المسألة تتجاوز كثيرا شخص علاء وشخوص رفاقه المحبوسين وسؤال ما إذا كانوا سيخرجون من السجن أم سيعودون إليه بحكم مخفف أو مشدد؟، لأن الأخطر من ذلك هو أن كل هذه الممارسات تخلق كل يوم للمجتمع ونظامه القضائي أعداء لا يعرفهم أحد ولا حتى علاء ورفاقه، أعداء سيؤمنون بعدم جدوى التعبير السلمي بالرأي والتظاهر في إحداث أي تغيير إلا القضاء على حرية من يمارسه، أعداء سيبحثون عن نوع آخر من العدالة: عدالة قطع الرؤوس التي لا تعرف نقضا ولا استئنافا، عدالة “عليّ وعلى أعدائي” التي يتصور فيها المظلوم أن راحته الشمشونية لن تكون إلا بتفجير نفسه فيمن يستطيع إليه سبيلا من الظلمة وأعوانهم بل و حتى الساكتين على ظلمهم؟.
طيب، وماذا عن القاضي الذي قام بتجديد حبس مجموعة من الفتيات والشباب شهرا كاملا بعد شهور قضوها في الحبس الإحتياطي الذي تم تشريعه لحفظ العدالة وليس لتعميم الظلم، لمجرد أنهم مارسوا حقهم في الرفض السلمي لقانون يجرم التظاهر أصدره الذين وصلوا إلى كرسي الحكم بفضل التظاهر، هل كان حضرته فخورا بنفسه وهو يحكي لأولاده كيف حمى الوطن من شرور سناء سيف ويارا سلام وسلوى محرز ورفاقهن الذين هزت أقدم دولة في العالم طولها الشائخ وعرضها الدائخ لكي تتشطر عليهم وعليهن، تاركة جنودها وضباطها فرائس سهلة المنال للإرهاب الغادر؟، هل سيلتقي حضرته بعد
صلاة الجمعة مع حضرات أصدقائه في نادي القضاة النهري لكي يحدث كل منهم الآخر عن مجهوداته الحثيثة في الفتك القانوني بشباب وفتيات تلك اللعنة التي اندلعت في 25 يناير لتقلب عاليها واطيها، ولتفتح عين من يسوى ومن لا يسوى ليسأل عن مبررات الإمتيازات ومهازل التعيينات وعبث المحاكمات؟، وهل سيدور في باله وبال زملائه أنك عندما تستخدم القانون كمطرقة تهوي بها على رؤوس المسالمين، فأنت لا تحمي المجتمع كما تظن، بل تعطي مع كل حكم تظنه رادعا مبررا مقنعا لعقلية دموية لا ترى سوى العنف حلا لإثبات الوجود، وأنك تقوم بتحويل العمل السياسي إلى أضحوكة والسلمية إلى نكتة تجلب لداعيها ذكر أمه وخالته بسوء؟.
ماذا أيضا عن مدير سجن العقرب شديد الحراسة الذي يقوم بحبس معتقل سياسي إسلامي مثل حسام أبو البخاري 26 يوما في زنزانة انفرادية في ظروف مزرية يرويها صديقه على صفحته في الفيس بوك نقلا عن محاميه توفيق مبروك وعن أسرته، وصلت إلى حد تقديم ماء غير صالح للشرب له ومنعه من استخدام المبلغ الذي أودعه له أهله في الكانتين ومنعه من تغيير ملابسه ورفض إدخال مصحف إليه ومنع أي أحد من أسرته أن يعانقه أو يصافحه إلا والدته، وكلها تفاصيل مرعبة لن يكون من حق أحد أن يجهر بصوته بالمطالبة بالتحقيق فيها، لأن هذا المعتقل ومئات غيره ليسوا إلا من “الأغيار” الذين تتهم بالسذاجة والعبط لو طالبت بحقوقهم مهما اختلفت معهم، هل يعتقد مدير هذا السجن وغيره من الذين يحرمون المساجين الإسلاميين من أبسط حقوقهم أنهم يقدمون خدمة جليلة للوطن ويساعدون على سلامة أراضيه واستقرار أحواله؟، وهل يمكن أن ترتجي منه ومن رؤسائه أن يتذكروا أنهم مع كل تجاوز يرتكبونه بحق مسجون يساعدون على تمتين أواصر خلية إرهابية تتخذ من مظلمته نارا تشعل غضبا لا يطفئه إلا العدل؟، وهل يمكن أن تقنع هؤلاء أن اتخاذ هذا الموقف ليس مثالية فارغة بل هو منتهى الواقعية التي تنظر لخطورة كل ذلك على المستقبل القريب الذي لا يبشر بخير.
وماذا عن أمين الشرطة الذي ضرب والدة الشاب مصطفى وائل بالقلم إلى جوار مول داون تاون في التجمع الخامس لأنها اعترضت للضابط على طريقته في شتيمتها هي وأولادها بدلا من أن يكتفي بإبلاغهم بمنع الوقوف في المكان، وبدلا من أن ينتهي الموقف بإنصافها، تم الضغط عليها لكي توقع على محضر صلح بدلا من أن تبات في الحجز الذي لم تكن تتصور أبدا أنها ستدخله متهمة، وكاد الضباط أن يقوموا بتلبيس قضية تعدي على ضابط لشاب شهد على واقعة ضرب الأم، ليكتب الشاب بعد أن روى الواقعة “أنا اتخذت القرار السليم إني بادرس بره البلد ومشيت وسبتها وشكرا للناس اللي وقفت معانا وربنا يسامح الضابط والأمين على اللي عملوه في أمي، لأني للأسف ما أقدرش أعمل فيهم حاجة ولا آخد حقي منهم”.
هل يظن هذا الأمين والضابط ومن يرأسهما هما وغيرهما من الذين أصبحت قصص ظلمهم للناس تملأ صفحات الحوادث ومواقع التواصل الإجتماعي أنهم إن نجوا من دفع ثمن ظلمهم، لن يدفع ثمنه زملاء لهم في مكان آخر على يد مظلوم آخر لن تكون لديه رفاهية السفر أو قوة الصبر؟، وهل يمكن أن يدرك هؤلاء ورؤساءهم أنه إذا كان هناك طريق لإنقاذ جهاز الشرطة بكل منتسبيه من عواقب وخيمة لا يعلمها إلا الله، فلن يكون إلا عبر عبارة “إعادة هيكلة الشرطة” التي تثير ضحكهم الساخر كلما سمعوها؟.
لكن كيف تنتظر من كل هؤلاء عقلا أو وعيا إذا كانوا ينظرون إلى عبد الفتاح السيسي رأس البلاد ورئيسها وهو يبارك ويؤيد كل ما يفعلونه، ليس فقط لأنه لم يمد يده ولو لمرة ليكف الأذى عن مظلوم، بقدر ما تمتد دائما لتقوم بتثبيت الظلمة ودعمهم، دون أن يدرك خطورة قنابل الظلم الموقوتة التي يساعد على صنعها كل يوم، فها نحن نراه مثلا في الموازنة التي صدرت في ظل رئاسته يقوم بخفض ميزانية وزارة الصحة ليقوم بزيادة ميزانية وزارتي الدفاع والداخلية ورئاسة الجمهورية دون أن يعترض على ذلك أحد، وها نحن نراه يواصل السكوت على الثعابين السارحة في الفضائيات والصحف لتنهش في الأعراض وتطعن في الذمم، وكأن عاقلا يمكن أن يصدق أنه يسكت على كل ذلك لأنه مؤمن بحرية الرأي والتعبير، فهو يتدخل بوسائل مباشرة وغير مباشرة عندما يكون راغبا في ذلك.
يظن السيسي أنه يمكن لمصر أن تفلت في ظل حكمه من تبعات كل هذا الظلم لمجرد أنه قام بتحويل شعار “مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق وليبيا” إلى منهج حكم، دون أن ينتبه إلى أن ما يفعله مرؤوسوه في سلطات القضاء والأمن والإعلام هو بحذافيره ما كان يفعله حكام سوريا والعراق وليبيا الذين لم يكن يخطر على بال أحد فيهم خلال سنوات طويلة من تحقيق السيطرة بالقمع وفرض الأمن بالبطش، أنهم مع كل قرار ظالم وكل تصرف باطش يعجلون بالذهاب ببلادهم إلى التهلكة التي عندما تحل ببلد لا تستثني الظالم من المظلوم والقامع من المقموع والداعش من المدعوش، ولو كان حكام سوريا وليبيا قد اتعظوا بما جرى لحكام العراق من قبل ولو أدركوا جميعا أن “الطغاة شرط الغزاة” وأن الإستبداد هو الراعي الرسمي للفوضى لما جرى لهم ولشعوبهم ما جرى من مأساة نعيدها بحذافيرها للأسف، ليصدق فينا ما جاء في الأمثال “علِّم في المتبلِّم يصبح ناسي.. وطرمخ على الظلم الفاحش تلبس داعش”.