مجموعة سعودي القانونية

بلال فضل يكتب | لا تنس أنك مواطن!

بلال-فضل

لا يذكر الإنسان منا كل ما يقرأه، حتى في الكتب الجميلة التي يحبها، ولذلك لا أظن أنني سأذكر كل ما قرأته في ذلك الكتاب الجميل الذي قدم فيه الأستاذ حمد العيسى بعض أهم أفكار المؤرخ الأميركي الراحل هوارد زن، لكن إن أنسى فلا أنسى أبداً ثلاث كلمات خفيفات على اللسان ثقيلات في الميزان كتبها هوارد زن، يمكن أن تشكل في نظري منهج حياة لكل مواطن يريد تغيير بلاده إلى الأفضل: “لا تنس أنك مواطن”. وهي عبارة قصيرة يلخص فيها زن حقيقة أن الدول لا تتقدم، إلا عندما يكف المواطن عن التماس الأعذار لمن يحكمونه، ويتذكر أن دوره الوحيد هو أن يطالب بحقه في أن يحكمه حكام يتبعون سياسات جيدة، تجعل حياته أكثر أمناً واستقراراً وأقل سوءاً وتعقيداً.

لاحظ أنه عندما قال هوارد زن عبارته، لم يكن يعني بها كل كذابي الزفة في بلادنا الذين يطلبون من المواطن طيلة الوقت أن يصبر على فشل حكامه وضعفهم وفسادهم، بل كان يرد بها على الذين طالبوا المواطنين الأميركيين أن يصبروا على باراك أوباما الذي كان منتخباً لتوه وقتها، وأن يتركوا له الفرصة ويقدروا الضغوط التي تمارس عليه والمؤامرات التي تسعى إلى إفشاله، ليقول زن لهؤلاء في كتابه “نحن مواطنون، وأوباما سياسي، وإذا كنت مواطناً يجب عليك أن تعرف الفرق بين السياسيين وبينك، الفرق بين ما يجب عليهم القيام به، وما يجب عليك القيام به… كان أوباما ولا يزال سياسياً، ولذلك يجب ألا ننجرف نحو حالة من الطاعة والقبول المطلق لما يفعله أوباما. مهمتنا هي عدم إعطائه شيكاً على بياض. أو أن نكون مجرد مشجعين وهاتفين له، كان من الجيد له أننا صفقنا وهتفنا له بينما كان يخوض انتخابات الرئاسة، ولكن ليس من المطلوب أن نكون هتافين ومصفقين الآن بعدما أصبح رئيساً. لا ينبغي أن نرضى بسهولة ونقول حسناً أعطوه فرصة لأن أوباما يستحق الاحترام، أنتم لا تحترمون أحداً، عندما تعطونه شيكا على بياض. أوباما ليس سياسياً فحسب، الأسوأ من ذلك أنه محاط بسياسيين خطرين، ومنهم من اختارهم أوباما بنفسه، ونحن مواطنون، يجب علينا ألا نضع أنفسنا في موقف السياسيين وننظر إلى العالم من خلال عيونهم، ونقول حسناً لا بد من تسوية… كلا يجب أن نجهر بآرائنا بجرأة، هذا هو الموقف الذي كان فيه دعاة تحرير العبيد قبل الحرب الأهلية، لم يكن لينكولن يعتقد أن أهم أولوياته هي إلغاء العبودية، لكن الحركة المناهضة للعبودية كانت تعتقد أنه أهم الأولويات، وقال دعاة تحرير العبيد “لن نضع أنفسنا في موقف لينكولن، سوف نعبر عن موقفنا بقوة بحيث يضطر لينكولن للاستماع إلينا”، ونمت الحركة المناهضة للعبودية بشكل أكبر لكي يستمع إليها لينكولن في ما بعد، وبهذه الطريقة صدر إعلان تحرير العبيد وتعديلات الدستور. لقد تم إحراز تقدم في هذا البلد، وتم قلب أي نوع من الظلم لأن الناس تصرفوا كمواطنين مسؤولين عن مصلحة بلدهم، وليس كسياسيين، لم يقوموا بالمواء فحسب، بل عملوا ونظموا، لقد شاغبوا عندما كان ذلك ضروريا لجذب أنظار الناس الذين في السلطة، وهذا ما يتعين علينا القيام به اليوم”.

في موضع آخر من الكتاب يحكي هوارد زن عن أستاذ شهير للتراث السياسي الأميركي درس على يديه في جامعة كولومبيا، فتعلم منه أن كل الرؤساء الذين حكموا أميركا سواء كانوا ليبراليين ومحافظين وجمهوريين وديمقراطيين لم تكن هناك فروقات قطبية هائلة بينهم في ما يتعلق بالحفاظ على مصالح الرأسمالية، وحتى الذين كانوا يسمون بالليبراليين لم يكونوا ليبراليين حقاً كما يعتقد الناس، لذلك أصبح زن بدوره يقول لتلاميذه “عندما يسألنا الناس: ماذا تتوقعون؟ نجيب أننا نتوقع الكثير. وسيقول الناس هل أنتم حالمون؟ والجواب هو نعم نحن نحلم، نريد كل شيء جيداً، نريد عالماً يسوده السلام، نعم نريد عالم العدل والمساواة، لا نريد الحرب ولا نريد الرأسمالية، نريد مجتمعاً أخلاقياً، ومن الأفضل أن نتمسك بهذا الحلم بقوة، لأننا إذا لم نفعل ذلك، فسوف نغرق أكثر وأكثر نحو القاع، أي هذه الحقيقة التي لدينا ونحن لا نريد ذلك”.

باختصار هذا هو مفتاح التقدم الأهم: لا تنس أبداً أنك مواطن، لا تدع حكامك وأعوانهم يكذبون عليك فيطلبون منك أن تكون شماعة لفشلهم، شاغب عندما يكون ذلك ضرورياً، وتمسك بحلمك بقوة، فهو طريقك الوحيد لكي تنجو من الغرق في رمال الكذب المتحركة.

 

المصدر:العربى الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *