«طارق نصار»، خالى اللذيذ الذى استطاع- بطريقة مبتكرة- هزيمة الغرفة المسكونة.
إنها الغرفة ٥١٣ التى اشتهرت بالنهايات العنيفة لكل النزلاء الذين قادهم حظهم العاثر إلى قضاء ليلتهم فيها. انتحر مستر جون عام ١٩٣٢ بعد افتتاح الفندق مباشرة. بعده ماتت السيدة سوزيت بسكتة قلبية. كان عبد الفتاح بك هو أول من يموت من المصريين فى تلك الغرفة بعد أن أطلق الرصاص على رأسه فى نوبة هياج مفاجئة. منذ ذلك الحين أغلق الخواجة مالك الفندق الغرفة، وظلت موصدة حتى آل الفندق إلى مالك مصرى أمر بفتحها. ولكنها احترقت بماس كهربائى ومات فيها النزيل وزوجته اللذان كانا يقضيان فيها شهر العسل.
بعدها توالت الغرائب: الجدران التى تتداعى ثم يتبين أن كل شىء على ما يرام. الدم الذى يفيض به الحوض فجأة. الهاتف الذى يدق برغم أنه غير متصل بأسلاك. المذياع الذى يرتفع صوته فجأة. البرامج الذى يذيعها التليفزيون ولا توجد على أى تليفزيون آخر. لم تكف الغرفة عن اختراع الألاعيب التى تجبر النزلاء على الفرار بجلدهم.
وبطبيعة الأمور وصلت الغرائب إلى الصحافة. وأفردت مجلة ذائعة الانتشار عدة صفحات للحديث عن تلك الظاهرة. كان الفندق قد صار عتيقا وله رائحة السنين الغابرة. تلقف الأمر التليفزيون، وبرغم تظاهر مالك الفندق بالاستياء فقد كان سعيدا بهذه الدعاية المجانية. ثم تم رصد مكافأة قدرها «ألف جنيه» لمن يجرؤ على قضاء الليل فى الغرفة المسكونة.
تقدم البعض للمغامرة معتصمين بأفكارهم العقلانية. إنها القابلية للتصديق التى تفسر كل ذلك. لكن فى كل مرة، وقبل مرور ساعة واحدة، كان المتطوعون يدقون الباب مذعورين ومطالبين بفتحه. واختلفت الآراء بين حدوث الخوارق حقيقةً وبين قدرة الإيحاء على بث الخوف غير المنطقى. فى هذه اللحظة بالذات تقدم خالى «طارق نصار» للمبيت بهذه الغرفة المسكونة.
هو -لمن لا يعرف- رجل ينام ببساطة. فى أى مكان ينام. فى الأوتوبيس أو على سرير أو مقعد. بمخدة أو بدون مخدة. سواء كان النور مضاءً أم مطفأَ. سيان كان الوضع أفقيا أم رأسيا. وحينما كان يذهب فى رحلة طويلة كانت زوجته تبقى ساهرة طيلة الليل تتفرج عليه وهو يغط فى النوم، ثم يفتح عينيه لحظة وصول الحافلة بعد ثمانى ساعات كاملة، قائلا بكل نشاط وإقبال على الحياة: «الله. ياللا بقى ننزل ونتفسح».
وبالفعل ذهب خالى لقضاء الليلة فى الغرفة المسكونة. جاءت كل وكالات الأنباء العالمية لتصور الحدث. مضى بقامته الطويلة وابتسامته الطفولية. وصوّرته الكاميرا وهو يدخل الغرفة.
تفقد خالى الغرفة. نظر فى ترحاب إلى السرير العريض ورقد عليه. وهناك بدأت الألعاب. تصدعت الجدران، طفح الحوض بالدماء. تحركت عقارب المنبه بسرعة جنونية. ظهرت الأشباح القديمة ينتحرون أمامه. اشتعلت النيران. ارتفع صوت المذياع إلى أقصى درجة ممكنة. بث التليفزيون برامج غير موجودة على أى تليفزيون آخر.
نظر خالى فى استمتاع إلى تلك العروض الخوارقية. ثم اتسعت ابتسامته الطفولية وتثاءب شاعرا بالنعاس. اندس تحت الغطاء بعد أن خلع نظارته تاركا الدنيا تضرب تقلب!. وما هى إلا ثوانٍ حتى استغرق فى النوم لمدة ثمانى ساعات متعاقبة. وحينما استيقظ نظر إلى الغرفة البريئة قائلا كلمته الخالدة:
«الله. ياللا بقى ننزل ونتفسح».