مجموعة سعودي القانونية

ضياء-رشوان

يحتدم الخلاف حالياً فى مصر حول طبيعة النظام الانتخابى الذى ستتم بموجبه انتخابات البرلمان القادم فى خلال شهور أربعة على الأكثر. وتنحاز الغالبية الساحقة من الأحزاب السياسية إلى نظام القائمة بمختلف أنواعها، بينما تميل أحزاب أقل عدداً إلى النظام الفردى، ومعها فى ذلك مجموعة كبيرة من القيادات والرموز السياسية المستقلة، أو التى كانت لها خبرة برلمانية سابقة.

ويقدم المنحازون للقائمة دون غيرها حججهم التى يقوم معظمها على أن هذا النظام هو الكفيل وحده بتطوير الانتماء الحزبى والفرز السياسى للمصريين، وهو ما ينسجم مع ويؤدى بالضرورة إلى تقدم التجربة الديمقراطية المصرية لتكون كغيرها من التجارب المتقدمة، مستندة بصورة شبه كاملة على النشاط الحزبى. ويضيف هؤلاء إلى حجتهم النظرية هذه حجة نظرية أخرى تتعلق بالنظام الفردى المنافس، الذى يرون أنه يدعم غياب السياسة فى الانتخابات البرلمانية ويحولها إلى منافسة محلية خدمية، يتفوق فيها الأكثر قدرة على تلبية مطالب ناخبيه الفردية وليس توجهاتهم السياسية والفكرية.

أما من الناحية العملية، فإن المتحمسين لنظام القائمة من أهل الأحزاب يستندون إلى تجربتهم السابقة والوحيدة فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، التى خاضوا معظمها على مقاعد القوائم، واستطاعوا أن يحصدوا فيها نسباً لم تتجاوز ٣٠% فى أقصى نجاح لهم فى بعض القوائم. ومن هنا فهم يعتقدون وينظرون فقط إلى ما حققوه من نسب عامة لم تزد لأكبر حزب منها على مستوى الجمهورية على ١٠% من القوائم التى تنافسوا عليها، ونسوا اليوم أين ذهبت الـ٩٠% الباقية. كذلك فأهل الأحزاب المتحمسون للقائمة يعتقدون أن النظام الفردى سوف يكون بنسبة عالية لصالح كل من الإخوان المسلمين والقوى الإسلامية عموماً والمرشحين المنتمين لعهد مبارك، لأنهم الأقدر على أداء الخدمات الفردية والخاصة والأكثر ثراء، بما يمكنهم من الإنفاق بجميع صوره المشروعة وغير المشروعة فى الدوائر الفردية الصغيرة، وبالتالى سيكون هذان التياران هما المسيطرين على أغلبية البرلمان القادم.

على الوجه الآخر يرى المنحازون للنظام الفردى من الناحية النظرية أنه الأقرب إلى التركيب الاجتماعى والثقافى المصرى، الذى لم يتطور بعد إلى مرحلتى الانتماء والفرز الحزبيين، وأنه كفيل بتحقيق مصالح المواطنين التى يدور معظمها حول المطالب الاقتصادية والاجتماعية، وعلى رأسها التوظيف والحصول على الخدمات العامة. ويرى هؤلاء أن النظام الفردى يعطى الناخب فرصة أكبر لاختيار نائب يعرفه جيداً ويستطيع الحكم على توجهاته وقدراته وأدائه من واقع صغر الدوائر التى يعرف الناس بعضهم البعض فيها عن قرب أكثر بكثير من دوائر القوائم المتسعة، التى لا يعرف الناخبون عن كثير من المرشحين فيها سوى أسمائهم. ويضيف هؤلاء المتحمسون على الصعيد العملى حجة أخرى مفادها أن نظام القوائم سوف يؤدى إلى تفوق ونجاح القوى التى تملك درجة أعلى من التنظيم والولاء المطلق لجماعاتها وقياداتها ومعها إمكانيات مادية وبشرية كبيرة، وهو ما ينطبق بصورة أساسية على القوى الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان المسلمون، الذين سيؤدى هذا النظام إلى حصولهم على الأغلبية.

هذا الجدال يزداد احتداما مع تقدم لجنة الخمسين فى عملها لصياغة النصوص الدستورية الجديدة، حيث يرى كثيرون أنه لابد من النص على النظام الانتخابى للبرلمان القادم فيه. والحقيقة فإنه يبدو أقرب للمنطق وللملاءمة أن ينص الدستور فى إحدى مواده الانتقالية على طبيعة هذا النظام الانتخابى لتلك الانتخابات، من ناحية لتحصينها من الطعن الدستورى عليها بعد إجرائها، ومن ناحية أخرى حتى لا يترك تحديد النظام الانتخابى فى يد رئيس الجمهورية بمفرده، وهو الوحيد اللذى يملك اليوم سلطة التشريع، فيكون النظام الانتخابى بذلك قرارا جماعيا اتخذته لجنة الخمسين ومن ورائها المشاورات الشعبية والمجتمعية وليس قرارا فرديا.

أما عن النظام الانتخابى نفسه، فإن تأمل إيجابيات وعيوب كل من النظامين الفردى والقوائم يدفع بنا إلى اقتراح نظام خليط، له فى الدستور والمبادئ الدستورية العامة أسانيده العديدة. وتتمثل ملامح هذا النظام فى الآتى:

– يتم إجراء الانتخابات الفردية فى الدوائر القديمة التى أجريت فيها انتخابات ٢٠١٠ مع التعديلات الصغيرة الضرورية، فيصبح عدد الأعضاء الممثلين لها حوالى ٤٥٠ عضوا، ويكون الترشيح فيها مفتوحا للمستقلين والحزبيين على حد سواء.

– يتاح لجميع المصريين من مستقلين وأعضاء أحزاب أن تشكل كل فئة منهم، أو بالاشتراك فيما بينهم، قائمة قومية موحدة من ١٢٠ مرشحا، ومثلهم من الاحتياطيين، للتنافس فى دائرة واحدة على مستوى الجمهورية على هذا العدد من المقاعد، على ألا يسمح بقبول القوائم التى يقل عدد مرشحيها عن ٩٠ مرشحا ومثلهم من الاحتياطيين. ويكون لكل قائمة من هذه اسمها وشعارها الانتخابى الذى يتجمع حوله المشاركون فيها ويقدمون أنفسهم بهما للرأى العام.

– يصبح بذلك مجموع أعضاء المجلس ٥٧٠ عضوا، وهو ما يتناسب تماماً مع عدد الناخبين المصريين الذى يقترب من ٥٦ مليونا، بما يعنى تمثيل كل نائب لنحو مائة ألف مواطن.

– تكمن فلسفة هذا النظام المختلط فى أنه يجمع بين أفضل إيجابيات النظامين، فهو من ناحية النظام الفردى يعطى للبنى الاجتماعية والثقافية القائمة فى البلاد حتى الآن فرصتها فى الاختيار، بحسب ما تعودت عليه طويلا فى الانتخابات البرلمانية. كما أن نظام القائمة القومية ذات الطابع السياسى والفكرى يدفع اهتمامات نفس الناخبين على مستوى الجمهورية إلى مسافة أبعد فى الاهتمام بالفرز والانتماء السياسى والحزبى من اختياراتهم الفردية، بما يمكنهم بعد فترة زمنية ليست بالطويلة من الاختيار فى انتخابات برلمانية أخرى قادمة على أسس أكثر سياسية وحزبية.

– وفقا لأحقية جميع المصريين من حزبيين ومستقلين فى الترشح على المقاعد الفردية والقائمة القومية، فإن المساواة بينهم فى تكافؤ فرصهم تعد متوفرة بحسب نصوص الدستور والمبادئ دستورية العامة مما يلغى أى إمكانية للطعن فى دستوريته.

– أخيرا، فإن هذا النظام سوف يكون كفيلا بالتمهيد لانتخابات رئاسة الجمهورية لو قدر أن تتم بعد الانتخابات البرلمانية، حيث سيكون الفرز والتنافس السياسى فى الأخيرة بحسب النظام المختلط إعدادا للمجتمع وناخبيه للدخول فى المعركة السياسية بامتياز، وهى الانتخابات الرئاسية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *