الموجة الواسعة من المظاهرات العنيفة، يوم السادس من أكتوبر، والهجمات والتفجيرات الإرهابية التى تلتها، بعد يوم واحد، والتى أسفرت عن عشرات القتلى ومئات الجرحى، ليست مجرد احتجاجات سياسية ولا أعمال محض إرهابية، وإنما هى أوسع من هذا بكثير، فالواضح المؤكد هو أن كل ما تشهده مصر من محاولات للعنف وخلخلة الأمن، منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسى، إنما هو تحرك مخطط ومنظم تقوده جماعة الإخوان المسلمين، من أجل تحقيق أحد هدفين.
الهدف الأقصى هو إعادة سيطرة تنظيمهم على البلاد برجوع رئيسهم المعزول، ولو بصورة مؤقتة، يصحبها ويعقبها رجوع الجماعة بكل إمكانياتها وعافيتها، حتى تتمكن من خوض كل الانتخابات القادمة والفوز فيها بما يُمَكِّنها من إحكام السيطرة على مصر والمصريين، فى مشهد يبدو من بعيد ديمقراطياً. والجماعة تتصور أن تلاحُق موجات التظاهر العنيفة والأعمال الإرهابية الواسعة سوف يُمَكِّنها من إسقاط النظام الحالى فى البلاد، عبر خنقه اقتصادياً، وحصاره من الداخل والخارج سياسياً، بتقديمه كنظام «انقلابى» فاشل. ويعتمد هذا السيناريو على تدافع موجات الغضب الشعبى الداخلية، بسبب تدهور أوضاع غالبية المواطنين الاقتصادية والأمنية، كنتيجة طبيعية للمظاهرات العنيفة والعمليات الإرهابية النوعية، مع ضغوط خارجية كثيفة تمارسها الدول صاحبة المصلحة فى عودة الحكم الإخوانى، وإنهاء ثورة 30 يونيو ومعها دور الجيش، لكى يطيحا معاً بالنظام الحالى، وكل ما تحقق حتى اليوم من خريطة المستقبل.
هذا هو الهدف الأقصى والأبعد الذى يسعى الإخوان المسلمون لتحقيقه بغاية جهدهم، وهو لا يحول دون وضعهم هدفا آخر أدنى، فى حالة عدم قدرتهم على تحقيق الأقصى، ويتمثل هذا الهدف فى إيصال أحوال البلاد وشعبها إلى حد التقاتل الأهلى، وشيوع الفوضى بجميع أنواعها، وانهيار الاقتصاد، وتفكك بنية الدولة، وحتى جغرافيتها، بما لا يترك مجالا لأحد، سواء كان قوة سياسية أو جهازا حكوميا للسيطرة عليها وحكمها، فهى ستتحول إلى ساحة حرب وتصفية حسابات سياسية واجتماعية وأمنية، بما يحولها من دولة هى الأقدم فى العالم إلى تجمع بشرى ليس بين مكوناته سوى الصراع الصفرى. ويكتمل هذا الهدف الأدنى بسعى الجماعة الحثيث لإراقة الدماء، خاصة بين أعضائها ومؤيديها، مما يضاعف من حالة الإحساس بالظلم بينهم، وبالتالى يحفزهم لمزيد من المواجهة، ويؤكد من ناحية ثانية الصورة الدموية التى يريدون ترويجها للحكم الحالى فى مصر، باعتباره، حسب تعبيرهم، «انقلابا عسكريا دمويا».
ويبدو واضحا من تحركات الإخوان، منذ خروجهم من الحكم، أنهم فى سبيل تحقيق أحد الهدفين، الأقصى أو الأدنى، فإنهم يقومون بأمرين فى نفس الوقت، لكى يوسعوا من جبهتهم الساعية لهذا. الأمر الأول هو إعادة بناء رؤيتهم الفكرية والدينية على قاعدة الصراع الدينى مع جميع خصومهم السياسيين، وتقديمهم إلى شبابهم وأعضائهم وحلفائهم، باعتبارهم إما كافرين أصليين أو خارجين عن الإسلام، وأن جبهة الإخوان وحلفائهم هى الممثل الوحيد للمسلمين الحقيقيين الذين من واجبهم الشرعى نصرة الإسلام، وكسر شوكة الكافرين والمرتدين. ويعود الإخوان فى ترويج هذه البنية الجديدة لفكرهم إلى كتابات المرحوم سيد قطب بكل ما فيها من تشدد وغلو يعرفه بعض قادة الإخوان أكثر من غيرهم، وهم فى هذه العودة يطيحون نهائيا بأفكار مؤسس جماعتهم العملية والأقل تشددا، المرحوم حسن البنا. ويأتى الأمر الثانى على الصعيد الحركى، حيث تسعى قيادة الجماعة نحو ضم جميع التيارات والجماعات الإسلامية التى تتفق معها فى الرؤية السابقة، أيا كان توجهها الفكرى أو مواقفها السابقة والتاريخية من الإخوان، المهم فقط هو الاستفادة من قدراتها الحركية فى تسيير المظاهرات العنيفة والقيام بالعمليات الإرهابية النوعية.
بهذه الرؤية والطريقة الجديدتين تتحرك اليوم جماعة الإخوان المسلمين وهى تعتقد أنها فى الطريق لتحقيق أحد الهدفين الأقصى أو الأدنى، بينما هى فى الحقيقة لا تدرك أن معطيات الواقع لا تؤهلها لتحقيق أى منهما، وأن النهاية الحقيقية لهذا الطريق لن تكون سوى انتحار الجماعة تاريخيا، بعد أن استطاعت البقاء طوال خمسة وثمانين عاما.