يأتى التفجير الإرهابى الإجرامى الذى أصاب مديرية أمن الدقهلية، فجر أمس، لكى يعطى مؤشرات وأدلة جديدة خطيرة على المسار الذى تندفع إليه اليوم ونحو المجهول جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الصغيرة المتحلقة حولها.
فالتفجير الذى تم بطريقة عشوائية، ككل العمليات الإرهابية، استخدمت فيه بحسب الشواهد الأولية فى وسائل الإعلام الكمية الأكبر من المتفجرات التى استخدمت فى جميع العمليات الإرهابية المماثلة التى تمت فى مصر، باستثناء تفجير فندق طابا عام 2003. والتفجير أيضاً من الناحية الفنية يبدو أنه إما انتحارياً أو عن بعد، وفى الحالتين هو أقرب للتقنيات التى اعتادت جماعات وتنظيمات شبكة القاعدة استخدامها سواء فى أفغانستان أو العراق أو السعودية أو لندن أو إسبانيا أو غيرها من مناطق العالم التى شهدت تفجيرات مماثلة خلال العقد الماضى.
وبذلك يبدو التفجير فى السياق المصرى غريباً حتى عن العمليات الإرهابية التى عرفتها مصر خلال التسعينيات، والتى لم يكن من بينها تفجيرات انتحارية أو عن بعد سوى محاولتى اغتيال وزير الداخلية الأسبق حسن الألفى، ورئيس الوزراء عاطف صدقى عام 1993، وكلتاهما قام بهما تنظيم الجهاد، الذى يعد أحد أبرز روافد تكوين تنظيم القاعدة فى السنوات التالية. إذن، نحن أمام تفجير جديد لجماعة أو مجموعة قريبة من تنظيم القاعدة سبقته تفجيرات مماثلة فى شمال سيناء ضد عديد من مواقع الجيش والشرطة، وتفجير فى مديرية أمن جنوب سيناء، وآخر ضد مقر المخابرات العسكرية فى الإسماعيلية، ومثله ضد معسكر للأمن المركزى بذات المدينة، وتفجير أصغر فى نفس المكان بالمنصورة، وبالإضافة لكل هذا محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم بتفجير انتحارى.
وهناك عديد من المعانى المهمة لتتابع تلك التفجيرات الأخيرة فى مصر خلال المرحلة الحالية، لعل أبرزها هو أنها جميعاً تسعى منذ العزل الشعبى للرئيس السابق محمد مرسى ونظام الإخوان إلى إعادتهما عنوة وإخضاع إرادة الشعب المصرى بالقوة المسلحة. وليس فى هذا المسعى بتلك الطرق العنيفة والعمليات الإرهابية سوى إعادة إنتاج لما حاول تنظيم القاعدة الأم وجماعاته الفرعية القيام به لنحو عقدين من الزمان وفشل فيه تماماً عبر كل دول العالم الإسلامى، وهو إسقاط نظم سياسية وإقامة نظم أخرى تزعم أنها إسلامية، وكانت الثورات الشعبية فى الدول العربية هى قبل أعوام ثلاثة هى الستار الأخير الذى أسدل على أسلوب القاعدة الإرهابى لتعلن نهايته وفشله التاريخى.
ولم يكن تتابع العمليات والتفجيرات الإرهابية فى مصر، بعد الإسقاط الشعبى لنظام الإخوان، سوى محاولة من التحالف السياسى الذى تقوده جماعة الإخوان المسلمين، ويتسع ليضم جميع أطياف القوى الإسلامية بما فيها الجهادية والعنيفة، لإعادة أسلوب القاعدة إلى الوجود، والاستيلاء من جديد على الحكم بنفس طرقها القديمة التى فشلت فى تحقيق هذا الهدف عبر العالم. ولاشك أيضاً أن التفجير الأخير بالمنصورة يأتى ضمن نفس التصور الذى يتبناه ذلك التحالف للسعى لإيقاف عجلة خريطة الطريق، التى يمثل الاستفتاء على تعديلات الدستور محورها الأساسى، من أجل تحقيق التصور التقليدى الفاشل لتنظيم القاعدة بأن إشاعة الخوف والفوضى هى الطريق للاستيلاء على الحكم من جديد.
إن المسؤولية الجنائية عن تلك الجرائم الإرهابية هى من اختصاص أجهزة التحقيق والقضاء، إلا أن المسؤولية السياسية تبدو واضحة دون جدال وتتحملها كلها جماعة الإخوان المسلمين. وفى قلب الإخوان تقع المسؤولية الكاملة على قيادات الجماعة أياً كان مكانهم اليوم، فهم الذين اختاروا وأشاعوا بين شباب الجماعة وبعض الجماعات الصغيرة المتحالفة معها أن طريق القاعدة هو الكفيل بإعادتهم ورئيسهم المعزول إلى الحكم، وهو أمر تؤكد عبرة التاريخ القريب أنه وهم لم يتحقق فى أى مكان من العالم، وأنه أدى إلى عزل شعبى كامل لتنظيم القاعدة وتحوله بصورة نهائية إلى تنظيم إرهابى لا يمارس سوى العنف، وهو مصير يبدو أن قيادات جماعة الإخوان تُدفع إليه بكل قوة وهى لا تدرى فى أى هاوية تسقط.
المصدر جريدة المصري اليوم