مجموعة سعودي القانونية

ضياء-رشوان

 

 

فى حربهم الشرسة والأخيرة والخاسرة لتفكيك الدولة المصرية الحديثة التى أسسها محمد على باشا فى بداية القرن التاسع عشر، يركز الإخوان المسلمون على الجيش الذى فشلت كل النظم والقوى السياسية منذ تأسيسه مع تلك الدولة فى جعله أداة لها فى مواجهة شعبه المصرى. ويستخدم الإخوان أساليب متنوعة من أجل تحقيق هدفهم المباشر الذى فشل رئيسهم المعزول فى تحقيقه، وهو السيطرة عليه من جانبهم كجماعة، حتى لو كان ثمن هذا هو تمزيقه وتقسيمه إلى فئات متصارعة. ومن هذه الأساليب ما يسعون، هذه الأيام، لاستخدامه من حوارات داخل لجنة الخمسين وخارجها حول المواد الدستورية المتعلقة بالجيش، خاصة طريقة اختيار وزير الدفاع، وعزله، ومثول المدنيين أمام المحاكم العسكرية.

يقدم الإخوان هذا الحوار- المتواصل بصورة راقية ومحترمة داخل لجنة الخمسين وبين صفوف النخبة السياسية والرأى العام، ويسعى الجميع إلى تقديم حلول واقعية توافقية لهاتين القضيتين- باعتباره مسعى من الجيش وأنصاره إلى الهيمنة على النظام السياسى الذى سيحكم البلاد، وتهديداً دائماً للمواطنين المدنيين بالمحاكمات العسكرية. لم يقدم الإخوان أو حلفاؤهم أو أنصارهم أى اقتراحات محددة لصياغة يرضون عنها لهاتين القضيتين أو لوضع الجيش فى الدستور والنظام السياسى عموما، مكتفين بالمزايدة على مجرد طرح الموضوع للحوار العام، ومروجين لمصطلحهم الزائف «تحصين» الجيش وقائده العام، باعتباره الهدف النهائى الحقيقى لهذا الحوار.

ويبدو أن الإخوان لا يفهمون بدقة موضع وموقع الجيش المصرى ليس فقط فى المجتمع المصرى، باعتباره جيشاً قوامه الرئيسى من المجندين أبناء الشعب، بل إنهم أيضاً لا يعون أبداً مكانته ودوره فى الدولة المصرية الحديثة منذ تأسيسها قبل قرنين، فليس فقط حقيقياً ومعروفاً لكل دارس مبتدئ لتاريخ هذه الدولة أن كل مظاهر حداثتها وقوتها من تعليم وتصنيع وتطوير زراعى ونمو اقتصادى قد ارتبطت منذ البداية بمشروع محمد على لتأسيس جيش مصرى حديث، بل أيضاً أن هذا الجيش ظل طوال قرنين متواصلين فى خدمة شعبه، ولم يكن قط معتدياً عليه، ولم يقبل أبداً أن يستخدم من جانب أى نظام سياسى لمواجهة أو قمع هذا الشعب. نسى الإخوان أن هذا الجيش لم يهزم أبداً بمفرده، بل كان الشعب المصرى دوما يرى أن الهزيمة هى هزيمة للبلاد كلها، وهو ما حدث مع تآمر الدول الأوروبية والدولة العثمانية على جيش محمد على، ثم تآمر نفس هذه الدول ومعها أمريكا، بمساندة إسرائيل، لهزيمة مصر عام 1967. وكما لم تكن الهزائم أبداً للجيش وحده كانت الانتصارات أيضاً للمصريين جميعاً، منذ وصول الجيش إلى اليونان وسوريا وقلب تركيا وآخر حدود السودان الجنوبية وأراضى الحجاز، حتى انتصار السادس من أكتوبر 1973 على الدولة العبرية.

نسى الإخوان، ضمن ما نسوا، أنه منذ أن أسس محمد على المدرسة الحربية فى أسوان عام 1820، ليبدأ تجنيد واحتراف المصريين فى جيشهم حتى أيامنا هذه التى يسعون فيها لتفتيت هذا الجيش، فإن التحديات الكبرى التى واجهها الشعب والجيش طوال هذه الفترة الطويلة، ومنها الاحتلال البريطانى لمصر أكثر من سبعين عاماً، والاحتلال الإسرائيلى لسيناء مرتين كانت الأخيرة منهما لخمسة عشر عاماً، لم تؤد أبداً إلى أن يتفرق الشعب عنه، ولا أن يدب داخله الانقسام والتفتت. الإخوان بفضل جهلهم هذا بوقائع تاريخ بلدهم وبشعبه وجيشه يعتقدون أن تزييف ما يجرى من حوار حول موضع الجيش فى الدستور، وتقديمه باعتباره «تحصيناً» وحماية للجيش وقيادته هو السبيل الأكثر فعالية، اليوم، للوصول إلى الهدف النهائى، وهو إخضاع الجيش أو ما يتبقى منه لسيطرة جماعتهم. والإخوان، ولأسباب يجب أن يعرفوها هم، قد نسوا أن لهذا البلد رباً يحميه، وأن بعده، سبحانه، لهذا الجيش شعباً يحميه.

 

المصدر : المصرى اليوم

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *