مجموعة سعودي القانونية

ضياء-رشوان

بدأت القراءة الأولى للمسودة النهائية للدستور المصرى، بما فى ذلك التصويت الأولى على موادها. وتوضح مؤشرات هذه القراءة والتصويت على المواد التى نوقشت فيها أن هناك توجهاً جاداً بداخل اللجنة لإنجاز دستور متوافق حوله بين مختلف فئات وقوى المجتمع المصرى، وأن إدارة الخلافات الطبيعية فيما بينها تتم بروح مسؤولة وسعى حقيقى إلى التوصل لهذا التوافق. وعلى الرغم من وجود قضايا رئيسية وكبيرة لم يتم التوصل حتى الآن لحلول وسطى نهائية لها، فإن المساعى مستمرة والجهود متواصلة بين كل الأطراف المتقاطعة حولها للتوصل لهذه الحلول، وهو الأمر الذى يدعو للتفاؤل بشأنه: أن كل هذه الأطراف على الرغم من تمسكها بجوهر مطالبها فيما يخص تلك القضايا فهى أيضاً تبدى روحاً إيجابية للتقريب بين وجهات النظر والوصول لحلول وسطى متوافق عليها.

هذه المؤشرات وغيرها تدعو للتفاؤل بالانتهاء من صياغة دستور توافقى محترم قبل الموعد النهائى المحدد لعمل لجنة الخمسين، وهو الثامن من ديسمبر القادم، ليطرح للحوار المجتمعى لمدة شهر قبل أن يتم الاستفتاء الشعبى عليه فى الأسبوع الأول من يناير ٢٠١٤. ومع هذا، فإن بعض المشكلات الصغيرة- وإن كانت مهمة- تعترض ذلك المسار المتفائل لصياغة الدستور الجديد. النوع الأول من المشكلات يأتى من طريقة عمل لجنة الخمسين، فالمشكلة الأولى هى عدم إذاعة جلسات اللجان النوعية والجلسات العامة للتصويت الأولى، الأمر الذى يرى فيه البعض إخفاءً لما يجرى فى اللجنة عن عموم المصريين. والحقيقة أن بعض الضرورات العملية كمنت وراء عدم إذاعة جلسات اللجان والتصويت المبدئى، أبرزها هو إتاحة الحرية الكاملة لأعضاء اللجنة لإبداء آرائهم وإدارة خلافاتهم بصورة صريحة ودون تأثر بما قد يفرضه عليهم البث المباشر من تمسك بآراء يمكن لهم فى الحوار المغلق مراجعتها وإعادة صياغتها دون حرج أو إصرار عليها. وقضية البث المباشر تبدو محلولة بقيام اللجنة ببث مباشر لكل جلساتها الأخيرة، التى سيتم فيها التصويت النهائى على كل مواد الدستور، وهو ما يمكن حدوثه خلال نحو أسبوعين.

أما المشكلة الثانية فيما يخص طريقة عمل لجنة الخمسين، فهى عدم حضور الأعضاء الاحتياطيين جلسات التصويت الأولى على الرغم من حضورهم كل جلسات اللجان النوعية والجلسات العامة، ومشاركتهم بالغة الأهمية فى صياغة مواد الدستور. والحقيقة أيضاً أنه من حق الأعضاء الاحتياطيين حضور كل جلسات الحوار حول المواد، وهو ما تم بالفعل دون المشاركة فى التصويت، ومن المطروح أن يحل هذا الأمر بأن يعاود هؤلاء الأعضاء مشاركتهم عند المناقشة النهائية لكل من الأبواب التى يتم الانتهاء من التصويت الأوّلى عليها وقبل البدء فى التصويت النهائى.

أما المشكلة الثانية فتتعلق بباب السلطة القضائية، والذى نشبت حول بعض مواده «معارك» مؤسفة بين بعض الهيئات والجهات القضائية، تناثر رذاذها ليصيب الجسد القضائى كله بآثار شديدة السلبية. والحقيقة أن لجنة الخمسين بكل تشكيلاتها قد بذلت ولاتزال كل الجهود لحل هذه الخلافات، إلا أنه يبقى أن تتحمل الجهات والهيئات القضائية مسؤولياتها الوطنية والمهنية بأن يعقد ممثلوها معاً اجتماعاً مشتركاً تحت مظلة لجنة الخمسين لكى يصلوا إلى ما يرون- وهم رجال القانون والقائمون على تطبيقه- أنه متوافق معه وفيما بينهم، فيجنبوا البلاد وقضاء مصر مخاطر فتنة كبيرة. أما إذا فشل رجال القضاء المصرى- لا قدر الله- فى التوصل لحلول لما بينهم من خلاف، فسيعود الأمر برمته إلى لجنة الخمسين لكى تتخذ قرارها وتكون مسؤولة عنه أمام الجميع، وعندها أيضاً سيكون أبناء القضاء كلهم، بدون استثناء، هم المسؤولون أمام الشعب المصرى والتاريخ عن هذه الفتنة التى ستكون صورة القضاء بعدها أسوأ بكثير مما نتوقع جميعاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *