وكأن منغصات الحياة ينقصها أن ينصرف د.محمد المخزنجى من مكانه المحفوظ صباح كل خميس.فنجان قهوة الصباح يتغير طعمه بمقالته، يزداد البن أصالة وعروبة، ويزداد أثر الفنجان رسوخا وعذوبة.كثر المنصرفون والصامتون فى الحياة العامة، وليس ذلك بغريب فى زمن ارتفعت فيه أصوات السِّفْلة، وتحصن فيه الرعاع بدروع السلطان، وتباهى فيه الباطل بسكوت كثير من أهل الحق.زمن يتعالم فيه الجاهل، ويتفاخر فيه الدنىء، ويتطاول فيه الحقير، ويشتهر فيه الأراذل، ويتقدم فيه الأوباش.. نحن فى زمن كل ما فيه مؤقت، ووالله لو كُتِبَ لهذا الزمن أن يطول لقامت القيامة على هذا البلد العظيم، ولكن هيهات، إن هى إلا قصور من رمال، وصروح من خيال، يبنيها مغفلون غرتهم أوهام السلطة.
انصراف د.المخزنجى من اللجنة الاحتياطية للجنة الخمسين سرنى، ولكن توقفه عن الكتابة آذانى وغمنى، قد أختلف معه فى بعض مواقفه السياسية، ولكننى أعبئ بطارية الصبر كل أسبوع برشفة من فنجانه.حالة الانحطاط التى وصلت لها الصحافة والإعلام فى مصر دفعت كثيرا من أولى النهى للاستئذان فى الانصراف المؤقت، فنرى إعلاميين مثل ا.يسرى فودة، وا.ريم ماجد، ود.عمرو الليثى، قد فضلوا السكوت فى هذا الجو الملوث الذى لا يتيح فرصة العمل إلا لمن لا يتورع عن الكذب والتدليس والشتم والسب.حتى الصحفيون الشباب اختار كثير من المحترمين منهم الاحتجاب بشكل ما، فعلى سبيل المثال استقال الصحفى النابه الحاصل على جوائز عديدة (هشام علام) من جريدة يومية معروفة، وقال ردا على سؤال حول الأحداث الأخيرة فى مصر وتأثيرها على عمله: «الموقف فى مصر معقد، ويراه الإعلام الغربى انقلابا عسكريا على رئيس منتخب ديمقراطيا لم يكمل مدته الرئاسية، بينما الرؤية داخل مصر مختلفة تماما. المواطنون المصريون لا تهمهم عملية الديمقراطية بقدر ما يهمهم كيف ستنفّذ. وقد ارتكب الرئيس الذى انتخبوه منذ عام أخطاءً عديدة أوجدت عداوات بينه وبين أغلب مؤسسات الدولة. وبالتالى تبرع الإعلام الحكومى والخاص بالدفاع عن النظام الجديد ضد السابق.
فى موقف بهذا التعقيد، أصبح أغلب الإعلام المحلى غير مهنى، متحيزا ضد الرئيس المعزول ومؤيديه. يتفادون عمداً نشر أى تقارير أو أخبار تدين وزارتى الداخلية والدفاع اللتين قادتا الانقلاب. أصبح إلزاميا تغطية الأحداث من زاوية واحدة، تدين مؤيدى الرئيس المعزول وتظهرهم كمجرمين، بينما يتجاهل الإعلام المحلى كل القتل الوحشى والاعتقال الاعتباطى ضدهم. أغلب الصحفيين المحترمين قرروا ترك مؤسساتهم الإعلامية مؤقتا خوفا من التعرض للضغط أو الاضطرار لخداع قرائهم أو جمهورهم. ولهذا السبب تركت عملى».الصحفى الشاب أحمد زكريا ترك عمله فى إحدى الصحف اليومية أيضا، وكتب على حسابه فى الفيس بوك تحفظات على مهنية الجريدة، وفوجئ بعد ذلك بجهاز أمن الدولة «يزوره» فى منزله!السؤال الحقيقى هل الانسحاب فى مثل هذه الأوقات تصرف سليم؟الإجابة ليست عندى!القارئ يحتاج لكاتب يثق فيه، خصوصا الأوقات الصعبة، لذلك على كل الشرفاء التفكير قبل الانسحاب، فذلك يدفع القارئ للانسحاب من القراءة، ومن العمل العام كله، وبذلك نكون قد تركنا بلدنا لأسوأ من فيها.عزيز القارئ… ما رأيك؟