عدم مشروعية وضع حد أقصى لسن التعيين بوظائف «التدريس» بالجامعات
أكدت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة أن الأصل في التعيين في وظائف هيئة التدريس بالجامعات يكون من خلال الاشتراطات الأساسية العامة التي انتهجها المُشرِّع في قانون تنظيم الجامعات، والتي يُقتَفَى وجودها من طبيعة الكادر الخاص لتلك الوظائف، وما يتطلبه من آفاق علمية وبحثية وتعليمية.
وأضافت المحكمة أن المشرع كان حريصًا على أن تصب هذه الاشتراطات في صالح الآفاق العلمية والبحثية وتنميتها، وهو ما ينضح به وصف كل وظيفة منها وتصنيفها وترتيبها وتحديد واجباتها ومسئولياتها اللازم توافرها فيمن يشغلها وتقييم أدائها. لذا فإن مبدأ إجازة المُشرِّع في قانون تنظيم الجامعات لمجلس الجامعة المختصة إضافة شروط أخرى إلى الشروط العامة المُبيَّنة في هذا القانون حال الإعلان عن الوظائف الشاغرة في هيئة التدريس من دون وظائف “الأساتذة”، وبناء على طلب مجلس الكلية أو المعهد بعد أخذ رأى مجلس القسم المختص، هو مبدأ استثنائي يجب أن تُفسَّر معه طبيعة هذه الشروط الإضافية على نحو مُستَلهَم من نسيج الشروط العامة التي انزلها ابتداء في القانون، وامتدادًا لها، فإنه لا يجب أن تخرج هذه الشروط الجديدة عن جوهر الكادر الخاص لتلك الوظائف وما يتطلبه من تفوُّق علمي وبحثي، وأن تدور في فلك أحكام المنظومة التشريعية المصرية مجتمعة بأهدافها وغاياتها، وبما لا يخالف القانون ومبادئ الشريعة العامة في وظائف الخدمة المدنية، باعتبارها المَرجعية العامة لقوانين التوظُّف في المَنظومة التشريعية المصرية فيما لم يرد بشأنه نص خاص، والمُكمِّلة لما سكتت عنه قوانين التوظُّف الخاصة في شروط تعيين المُخاطبين بأحكامها. إذ لو كانت إرادة المُشرِّع تتجه نحو وضع ضوابط مُغايرة لمَعايير المُفاضلة في التعيين في وظائف هيئة التدريس عن تلك الواردة في نظام العاملين المَدنيين بالدولة، لكان نص عليها في قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972 أو تعديلاته، خاصة وأن اشتراطات التعيين في وظيفة “معيد” التي نص عليها المشرع في ذات القانون لم تتضمن أدنى معايير مختلفة للمُفاضلة بين المتقدِّمين. وأَمَا وقد سكت هذا التشريع الخاص عن ذلك، فإن الأجدى قانونًا اللجوء إلى الضوابط التي أنزلتها الشريعة العامة في الوظائف المَدنية. وإذ فقدت هذه الشروط الإضافية الموضوعة من قِبل الجهة الإدارية لمتطلبات وظائف هيئة التدريس وتعدَّتها إلى الشروط الوظيفية العامة، فإنه يتعيَّن العودة في هذا المقام إلى الضوابط والمعايير التي انزلها قانون نظام العاملين المَدنيين بالدولة لكونه الشريعة العامة في وظائف الخدمة المدنية، وإلا أضحى قرار الجهة الإدارية مخالفًا للقانون مُستحقًا للإلغاء.
والمُشرِّع خوَّل مجلس الجامعة إصدار قرارات إدارية تنظيمية، باعتبار أن ذلك مما يدخل في نطاق الدائرة الطبيعية لنشاطها، إلا أن ذلك لا يجرَّها إلى إساءة استعمال السلطة التقديرية الممنوحة لها أو التعسف فيها، وتحديد أولويات معاكسة للأولويات التشريعية، ولا يعصمها من الخضوع للرِّقابة القضائية التي يُباشرها القضاء الإداري في شأن قانونيتها، وهي رقابة غايتها إلغاء ما يكون منها مخالفًا للقانون، ولو كان ذلك من زاوية الحقوق التي أهدرتها ضمنًا، سواء كان إخلالها بها مقصودًا ابتداءً على حالة معينة بذاتها، أم كانت قد أوقعته عَرَضًا في ظل قواعد عامة مجرَّدة. إذ أن بقاء مثل تلك القرارات يخل بفرص العمل ويناقض الحق فيه الذي كفله الدستور وراعته القوانين المختلفة لشئون التوظُّف.
كما وضعت المادة (20) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة حدًا أدنى لسن التعيين في الوظائف العامة دون أن تضع مُطلَقًا حدًا أقصى لذلك. كما اشترطت المادة (18) للتعيين في الوظائف التي تُشغَل بامتحان، أن تكون الأولوية وفق أسبقية الترتيب النهائي لنتائج الامتحان، وعند التساوي بين المُتقدِّمين كلهم أو بعضهم يتم تعيين الأعلى مؤهلًا، ثم الأقدم تخرجًا، وعند التساوي يُعيَّن الأكبر سنًا. في حين أن القرار رقم 165 الصادر من المطعون ضده الأول بصفته بتاريخ 20/1/2005م. بشأن تطبيق شروط وقواعد المفاضلة الخاصة بتعيين المدرسين من الخارج، قد فَرَض حدًا أقصى لسن المُتقدِّمين لشغل وظائف هيئة التدريس بالجامعات المُخاطَبَة بأحكام قانون تنظيم الجامعات بألا يزيد عن أربعين عامًا في تاريخ الإعلان، كما أفرد تنظيمًا خاصًا للمُفاضلة بينهم يخل بالركائز التي تقوم عليها الشريعة العامة للتوظُّف، ويمايز على غير أسس موضوعية بينهم وبين أقرانهم في الوظائف العامة المُخاطَبَة بأحكام نظام العاملين المدنيين بالدولة، فإنه بذلك يكون متبنيًا تمييزًا تحكميًا مخلًا بمبدأ المساواة أمام القانون الذي ردَّدته الدساتير المصرية المتعاقبة كافلة تطبيقه باعتباره أساس العدل والحرية، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتأصَّل في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تُقيِّد ممارستها بعيدًا عن الصالح العام وانعطافاته. الأمر الذي يغدو معه هذا القرار صادرًا بالمخالفة لأحكام القانون سواء فيما يتعلَّق بتحديد حد أقصى للسن في شغل وظائف أعضاء هيئة التدريس بالجامعات.