عماد الدين أديب يكتب | التفاهم بين المتصارعين
هل يمكن لقوى مختلفة ومتنافرة فكرياً وأيديولوجياً واقتصادياً أن تتعامل مع بعضها بعضاً وتصل عبر الحوار والمفاوضات إلى تسوية تاريخية؟!
هذا السؤال طرح نفسه بقوة على الولايات المتحدة الأمريكية فى عهد الرئيس رونالد ريجان، وعلى الاتحاد السوفيتى فى عهد ميخائيل جورباتشوف، سكرتير عام الحزب الشيوعى السوفيتى وقتها.
كانت الحرب الباردة فى عنفوانها، وكانت واشنطن فى عهد ريجان هى عاصمة التشدد السياسى ضد الشيوعية إلى حد إعلان ريجان عن مشروع بلاده لنقل الحرب النووية من الأرض إلى الفضاء وهو المشروع المعروف باسم «حرب النجوم».
التقى الرجلان 3 مرات فى جنيف أولاً، ثم فى «ريكيافيك» بأيسلندا، ثم فى واشنطن.
فى جنيف كان اللقاء تعارفياً بروتوكولياً عرف فيه كل طرف حدود قدرات ونوايا الآخر عن قرب وعرف أيضاً صعوبة الهوة التى تفصل بين مواقف كل منهما.
أما فى أيسلندا، فقد انتهى الاجتماع بعدما كانا قاب قوسين أو أدنى لإنهاء اتفاق تاريخى، لولا عناد وتشدد الطرف الأمريكى.
أما فى واشنطن، فقد توصل ريجان، وجورباتشوف إلى صيغة التدمير المتبادل لجميع الأسلحة النووية والبالستية.
ويقول جورباتشوف وهو يتذكر هذه اللقاءات إن «أقوى دافع أدى إلى نجاح هذه المفاوضات هو إدراك واشنطن وموسكو أن البديل هو الكارثة الكاملة».
وفى الزيارة الأولى والأخيرة لريجان إلى موسكو، سألوه: هل ما زلت ترى أن موسكو هى عاصمة دولة الشر؟
ابتسم الرجل وقال: بعد الاتفاق، بالتأكيد «لا»!
الدرس المستفاد من هذه التجربة أن أعظم التناقضات التاريخية وأكثرها كلفة وخطورة وتعقيداً قابلة للحل طالما أن هناك حالة من الوعى والشعور بالمسئولية عند التعامل معها.
نحن نعانى فى المنطقة العربية من منطق: «كل شىء أو لا شىء»، بمعنى أن يحصل أى طرف منا على كل ما يريد مقابل أن يسعى إلى هزيمة الطرف الآخر هزيمة كاملة مدمرة»! هذا المنطق لم يعد ممكناً إطلاقاً فى هذا الزمن، لأن هذا يعنى أن تطلب مسبقاً من الطرف الآخر أن يرفع الراية البيضاء منذ اللحظة الأولى ويعلن استسلامه الكامل لمطالبك!
الدنيا هى حركة مصالح متبادلة، تعتمد على لغة التفاهم والحوار بهدف التسوية المقبولة من الطرفين، أما منطق «أنا ومن بعدى الطوفان»، فقد انتهى إلى غير رجعة!