عماد الدين أديب يكتب | الثقة فى مصداقية الدولة
لابد دائماً أن نفرق بين الدولة والحكومة، وبين الحب والكراهية السياسية لنظام حكم معين، واحترام الدولة لتعهداتها وتوقيعاتها لدى الأفراد والهيئات والدول فى الخارج.
التعهد القانونى الوحيد الذى تحترمه الدولة فى مصر منذ أكثر من 35 عاماً هو بنود معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، وذلك بسبب وجود الولايات المتحدة كضامن لها لوجود إسرائيل كشريك فى الاتفاقية.
أما تعهدنا مثلاً بتعيين كل الخريجين فلم نقدر عليه، وتعهدنا بضمان مقعد لكل تلميذ، وسرير لكل مريض، فهو صعب المنال.
كم من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية التى تراجعنا عنها؟ كم من الشركات الأجنبية التى دخلت مصر كمستثمرة وخرجت منها متهمة بأبشع التهم؟ كم من العقود الكبرى التى وُقعت مع رجال أعمال مصريين أعيد تقديمها بعد سنوات لجهات التحقيق واكتشف الناس أنهم – فجأة – مطلوبون للعدالة؟
كم سلعة تم تسعيرها وكم خدمة تم تحديد قيمة لها، ثم تم الرجوع عن التسعير والقيمة؟
فى بريطانيا تحترم حكومة «المحافظين» تعهدات حزب العمال، وفى فرنسا يحترم الحزب الاشتراكى الحاكم التزامات وعهود الأحزاب الديجولية والوسط، وفى واشنطن يحترم الحزب الديمقراطى الاتفاقات التى حدثت فى عهود حكم الحزب الجمهورى.
الدولة هى جهة اعتبارية تحترم توقيعاتها بصرف النظر عن هوية الحاكم، والحكومة، وحزب الأغلبية.
فى الحالة المصرية ألغت حركة يوليو 1952 كل تعهدات الدولة فى العهد الملكى، وعقب وفاة ناصر تم الرجوع عن الإجراءات الاشتراكية، وفى عهد الرئيس حسنى مبارك تمت معاقبة شركات ورجال أعمال على اتفاقيات حدثت فى العهد نفسه.
وعقب رحيل مبارك فتحت المحاكم أبوابها لمحاكمة كل ورقة رسمية تم توقعيها خلال 30 عاماً، وفوجئ رجال أعمال مصريون وعرب وأجانب بصدور أحكام فى حقهم، وتمت إعادة احتساب قيمة أراض أو صفقات بأثر رجعى يعود إلى أكثر من ربع قرن.
المسئول فى أى نظام، حينما يوقّع، فهو ممثل للدولة، وبالتالى يتعين على هذه الدولة، فى عهد اشتراكى أو رأسمالى أو إخوان، أن تحترم توقيعها بصرف النظر عن موقفها من العهد السياسى أو النظام الحاكم الذى تم فيه التوقيع.
هذا كله يخلق حالة من الثقة فى أى مشروع قومى مثل صدور شهادات تنمية قناة السويس وهى بالفعل فكرة رائعة.