حين وقع التحرش الجنسى فى ميدان التحرير جرت الكاميرات وراء الصراخ والاستغاثة، وتشتتت فى كل أرجاء المكان. بنات رحن يشكين مما جرى، أخريات آثرن الصمت والانسحاب. وفى المساء تلاقت الكلمات والصور على الشاشات، ففتح الناس فى البيوت عيونهم وأفواههم دهشة.
وكان الشق الثانى من الخطة معداً بدقة، وهو ما لا يعرفه زين الأبجى. فنانون أقسموا أن الخيام المنصوبة فى الميدان تشهد ليلاً حفلات جنس جماعى، وأن الغنج يصل إلى أسماع ساكنى البنايات المطلة عليه. وشيوخ تصل لحية الواحد منهم إلى سرته تحدثوا عن حرمة اختلاط الفتيات والفتية فى مكان واحد وسط الليل المظلم.
وقال أحدهم، وهو داعية ينزل الميدان ويرمى جثته لتحمله الجماهير فوق الأعناق، إن بعض الشباب يلتقون فى شقة بحى العجوزة، يمارسون فيها الفحشاء. ثم أخذ يغرف من خياله الخبيث ويسكب فى آذان مستمعيه كلاماً مسموماً، أراد به أنه يُفسح الطريق أمام الخبثاء المتاجرين بالدين ليمروا فوق جثث الشباب إلى الكرسى الكبير.
لم يستمع زين إلى كل هذا، فليلتها غمس يده فى صدور ونهود ومؤخرات، وداس حرمات، وأوجع عذراوات لم يعتدن يداً خشنة تمتد إليهن. وكان كلما صرخت الواحدة منهن من قرصته أسكرته النشوة، وتدفق الدم حاراً فى عروقه فنبض ما بين فخذيه. ونشب الألم حاداً فى جنبيه، حتى شعر أنهما سيتمزقان وتخرج كليتاه. جرى نحو بقعة الظلام المهجورة عند سور وزارة الخارجية، جلس وحيداً، ينظر بعينين زائغتين إلى الذين يسيرون على مسافة منه، ذهاباً وإياباً. مدّ يده إلى سوستة البنطلون، فتحها على عجل، كحيوان جائع، وراح يحرك يده بهلفة وقسوة وحرقة لم يعهدها من قبل. مرة ومرتان واستراح، ثم قام يمشى على مهل نحو الميدان.
كانت البنات المحاصرات فى قلب الكعكة الحجرية يتحدثن بقرف عن معدومى الضمير الذين يريدون أن يدنسوا تلك البقعة المقدسة. وقالت واحدة:
– لو أن أياً من هؤلاء فكر فى أمه أو أخته أو حبيبته ما تحرش بواحدة منا.
ردت عليها أخرى:
– إنهم مجرد أدوات حقيرة فى أيد خسيسة تريد أن تسىء إلى الثوار، وأن تلطخ أشرف مَن فى هذا البلد.
عاد فى آخر الليل إلى شقته، بحث عن النقود التى أعطوها له فلم يجدها. كان يريد أن يمزقها. سأل أمه، فقالت له:
– لقيتها فى جيبك، اشتريت جزمة لأخيك الصغير الذى يمشى حافياً، وجبت أرز ومكرونة وسمن، ونصف كيلو لحم.
قهقه، ونظر إليها، والدموع تطفر من عينيه:
– لحم راح فى لحم.
لم تفهم شيئاً، ولم يعنها أن تفهم. أما هو ففهم أشياء. وحين طلبوه مرة ثانية ليؤدى المهمة ذاتها بأجر أكبر، تهرّب بحجة أن أمه مريضة، وقال لنفسه:
– يكفينى حرام واحد.
واستمر يقفز داخل الأوتوبيسات المزدحمة، ويذهب إلى سوق العتبة كل أسبوع مرة، ويعود متأرجحاً بين الراحة والشقاء.